هل سبق لك أن عبرت عن رأيك في خدمة قدمت لك وساهم رأيك هذا بتطويرها؟ بالنسبة لي فأنا أشعر بالمسؤولية تجاه الأشخاص الذين أحبهم أو الأشياء أو الأماكن التي أتعامل معها والخدمات التي تسد حاجاتي وأحبها، فأرى أن من الواجب علي التعبير عن رأيي بها، فرأيي الإيجابي بشخص يعز علي سيزيد ثقته بنفسه وسيجعله كلامي هذا يجتهد ليثبت لي يوماً بعد يوم أنني محقة لأنه سيفعل ما بوسعه ليرضيني، فتتطور علاقتنا وتتحسن. وكذلك رأيي السلبي بمطعم ما كان يقدم خدماته وطعامه بمستوى عالٍ ثم تدنى لديه مستوى الخدمة لسبب ما يجعل المسؤولون عنه ينتبهوا أكثر فتتحسن جودة الخدمة أو الطعام، وهذا سيعود بالنفع علي كمتلقية للخدمة وعلى المتلقين الآخرين وكذلك على صاحب هذه المصلحة.
لكن احرص أن تعبر عن رأيك للشخص المسؤول فقط إن كان رأيك سلبياً أو حتى إيجابياً، لأن تعبيرك عن رأيك السلبي بمكان معين للناس يجعلهم ينفرون منه، وكذلك تعبيرك عن رأيك الإيجابي عنه يؤثر على حكم الآخرين عليه وقد يجعلهم يرتاحون له مع أنه غير مناسب لهم!
طبعاً أنا لا أقصد أن تتوقف عن التعبير عن رأيك، لكن حاول أن تدلي بدلوك للأشخاص الذين تعرفهم ويعرفونك أكثر.
فلا بد أنك إن أردت التعامل مع متجر ما أو اختيار مدرسة لأولادك مثلاً فإنك تدخل على صفحة هذا المكان على فيسبوك وتقرأ آراء الناس بهذا المكان في reviews وتتأثر بها، فقد تجد أن شخصاً عبر عن رأيه بمتجر متخصص لبيع العطور وقال أن هذا المتجر غير دقيق في مواعيد تسليم البضاعة للزبائن بحكم تجربة مر بها معهم - قد تكون حدثت معه مرة واحدة بالصدفة ولكنه عممها- فيؤثر رأيه هذا بكثير من الزبائن المحتملين الذين قرؤوه وقد يأخذوا هذا الرأي الشخصي وكأنه حقيقة مطلقة فيمتنعون عن التعامل مع هذا المتجر!
فقبل فترة كنت أبحث عن مكان آمن للعب الأطفال ووجدت مكاناً ما، ولكنني امتنعت عن إرسال أطفال العائلة إليه عندما قرأت رأي إحدى الأمهات الناجم عن تجربة شخصية مرت بها بأن ابنتها وقعت وتأذت كثيراً لعدم حرص الكادر عليها أثناء لعبها، فأخذت فكرة سلبية عن المكان ولكنني عندما سألت أكثر من شخص أعرفه مدحوا جميعاً به! فالرأي يبقى رأي وعلينا جميعاً أن نعرف هذا، كما أن البعض يبني آراءه على تجارب شخصية قد تكون حدثت بالصدفة أو لم تتكرر.
فلماذا نحب أن نعبر عن آرائنا للناس؟
- لأننا كائنات اجتماعية فنحب أن نتحدث ونعبر عن أفكارنا وآرائنا ومخاوفنا واهتماماتنا وما بداخلنا لمن حولنا، فنشعر بالتشاركية.
- لأننا واثقون بأن الآخر سوف يأخذ هذا الرأي على محمل الجد... فعندما تنصح صديقك أن يغير من نمط ملابسه لأنك تجدها غير مناسبة لعمره أو لشخصيته، فأنت تقول له هذا وأنت واثق بأنه سيأخذ بنصيحتك لأنك صديقه المقرب، وعندما يأخذ برأيك تشعر بالفخر والإنجاز.
- لحاجتنا للدعم... فأحياناً تعبر عن رأيك الإيجابي بأحد الأشخاص فتقول له بأنه برأيك إنسان قوي ومكافح رغبة منك بالحصول على مبتغاك منه ودعمه لك، فالإنسان بطبعه يميل لمن يحبه وينظر إليه نظرة يحبها. وأحياناً تجدنا أيضاً نعبر عن آرائنا بالأشخاص أو الأشياء لأناس آخرين باحثين عن رأي آخر يشبه رأينا ليؤكده. فأحياناً تقول أنك ترى بأن شخصاً ما قد تغير للأسوأ؛ فلم يعد يهتم بعمله كما كان من قبل، وعندما يؤيدك أحدهم أو يثبت أنك كنت على حق ترتاح وتشعر وكأنك اكتشفت اكتشافاً عظيماً أو كأن رأيك هذا قد تحول لحقيقة مطلقة.
- لرغبتنا بتطوير أو تغيير الشيء: فإن أبديت رأيك السلبي بشخص ما -على سبيل النقد البناء وليس التنظير - للشخص نفسه وأتبعته بنصيحة لطيفة فهذا من شأنه في كثير من المرات أن يطور هذا الشخص فعلاً وأن يجعله ينتبه لهذا الأمر ويركز عليه ويطوره.
- لأننا نرتاح بالفضفضة... فترى مجموعة من الأمهات واقفات بانتظار أبنائهن للخروج من باب المدرسة ويتحدثن، فتعبر إحداهن عن رأيها تجاه المدرسة بأنها لم تعد كسابق عهدها وأن المعلمات اللاتي يعملن بها غير مؤهلات بشكل كافٍ بسبب عصبيتها من موقف مرت به، فتريد أن تنفس عما بداخلها فتجدها تقله للناس، وقد تعمم أيضاً. فقد كنت قبل أسبوعين على وشك كتابة رأيي الشخصي عن متجر متخصص بتفصيل وبيع الأحذية الطبية على صفحة المتجر على الفيسبوك لأن صاحبه تسبب بأذى لرجل ابن أختي الصغير دون قصد، ولكنني عندما فكرت قليلاً وهدأت وتذكرت أننا نتعامل معه منذ حوالي 6 سنوات ولم يخطأ يوماً في حقنا وأن هذا الذي حصل قد يكون صدفة منعت نفسي عن هذا حتى لا أتسبب بقطع رزقه.
- لأننا أحياناً نريد أن نؤذي هذا الشخص: فعندما تعبر عن رأيك السلبي تجاه شخص ما قد تكون نيتك أن تؤذيه لأسباب كثيرة منها الغيرة أو شعورك بالنقص أمامه أو لأنه أذاك فعلاً...
في النهاية أود أن أقول أن الرأي يبقى رأياً شخصياُ مهما كان مهماً ولا يتحول لواقع أو حقيقة إلا في حالات معينة، فلا تتعصب لرأيك وتقبل الرأي الآخر لأنك بذلك توسع أفقك ومداركك وتطور شخصيتك.