ربما أن الاهتمام بالشعر والقراءة والكتابة لم يعد كما كان الأمر من قبل عدة سنوات عندما كان هناك قيمة أكبر للعلم والمتعلمين وعندما كنا أقوى في اللغة العربية وآدابها وفي الشعر والنحو والبلاغة... فضعف البعض في اللغة العربية جعله يبتعد عنها وعن الشعر والنثر وعن كل شيء يستلزم أن يكون متمكناً منها بدلاً من أن يقوي نفسه فيها. ولا بد أن للعولمة وسيطرة اللغة الانجليزية واعتقاد الناس أن من يتحدث الانجليزية فهو إنسان أرقى وأفضل من الباقي يد في الموضوع.
كما أن لتعدد المواهب في العالم يد أيضاً في تراجع الاهتمام بهذه الآداب؛ فقد ظهر مؤخراً البرمجة وعلوم الحاسوب وفروعه وعلم الفضاء وفروعه وغيره من الأمور الجديدة التي أخذت نصيباً في توجه الناس لها.
كما أن هناك اهتمام بالأغنية والشخص الذي يغنيها أكثر من الاهتمام بالشخص الذي يكتب كلماتها؛ فمهما كانت الكلمات عميقة تجد الناس يتكلمون عن جمالها وعمقها فيقولون مثلاً "كما قال كاظم الساهر" أو كما قالت أصالة نصري"... بدلاً من معرفة من هو كاتب كلمات الأغنية وذكره.... ولا بد أن الإعلام ساهم بنسيان الشعراء بشكل كبير؛ فقد كنت أعمل في مجال الإذاعة والتلفزيون وكنا غالباً نستضيف المغنين ونادراً ما نفكر باستضافة كتاب أغانٍ. أعترف أن هذا خطأ وأنه كان يتوجب علينا التوجه لاستضافتهم حتى لو قلت قاعدة مستمعينا ومشاهدينا للمساهمة في تعريف الناس عليهم؛ فعندما استضفنا في برنامج عالصبحية الذي كان يبث على راديو هلا الشاعر العربي علي الخوار كاتب أغنية "عمرك سمعت بطير يحب سجانه" التي غناها الفنان حسين الجسمي لم نلق استحساناً من الجمهور في البداية لأنهم لم يتعودوا منا استضافة الكتاب، ولكننا تفاجأنا من ردود أفعالهم أثناء وما بعد المقابلة.
لكنني أرى أيضاً في المقابل أن هناك اهتمام وخاصة في السنوات الأخيرة بالشعر والقراءة بالذات، وهناك مسابقات شعرية تنظمها جهات حكومية وخاصة في الأردن والوطن العربي كمحاولة لإعادة هيبة الشعر والشعراء؛ فهناك
بيت الشعر الأردني المختص بالشعر والذي ينظم فعاليات ومسابقات شعرية عديدة على مدار العام، كما أن
وزارة الثقافة الأردنية بشكل عام تنظم كل عام مسابقات مواهب متنوعة ومنها مسابقات خاصة بالشعر، وقد قامت منذ العام الماضي بتنظيم مسابقات لليافعين من بيوتهم ترسيخاً لـ "خليك بالبيت" بسبب تداعيات جائحة كورونا. كما أن هناك مسابقة
شاعر المليون التي تقام سنوياً لكل العرب في أبو ظبي، ويشترك فيها سنوياً عدداً كبيراً من الشعراء منهم من الأردن، وقد قمنا بدعم أكثر من متسابق أردني ليصل للنهائيات في راديو هلا.
كما تعلم أننا في زمن التكنولوجيا... لذلك أجد أن على الشعراء وهواة كتابة وتأليف الشعر توظيف التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في شعرهم حتى يكسبوا جمهوراً يسمعهم ويعرف عنهم. فلو أخذنا الغناء مثالاً... لوجدنا أن الفنانين والمغنيين لا يقصروا في موضوع الترويج لأغنياتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما يكتفي كتاب الأغاني بكتابة كلماتها فقط...
أعلم أن هناك الكثير الكثير من الصعوبات التي تواجه الشعراء حالياً، ولكنني أرى أن بيدهم تغيير واقعهم ولو قليلاً بأن يحببوا الناس بالشعر بخروجهم عن المألوف فيه؛ فلو أنني شاعرة لألفت شعراً يتماشى أكثر مع الزمن الذي نحن فيه بكلمات بسيطة أصيغها معاً لتعطي معنى قوياً، أو قد أكتب شعراً ساخراً لأسخر فيه مما يحدث حولنا من ظروف سياسية وصحية واقتصادية وغيرها، ولأشعلت وسائل التواصل الاجتماعي لأشغلها فيه... فنحن في زمن يحتّم علينا التغيير واستغلال الفرص والتماشي مع الركب... فأحد أسرار نجاح الشعراء قديماً أنهم كانوا يجعلون ما يحدث حولهم من أحداث هي موضوع شعرهم؛ فكانوا يؤلفون القصائد عن الحروب التي كانوا يخوضونها ويقصون قصصهم الحقيقية ومشاعرهم وحبهم العذري بكلمات صادقة نابعة من القلب.
نحتاج لتكاثف الجهود لنعيد للشعر والشعراء هيبتهم ومكانتهم المرموقة في المجتمع... نحتاج لتفعيل دور وسائل الإعلام، والتشديد أكثر على كلمات الأغاني وتكثيف الرقابة على المحتوى الإعلامي، كما نحتاج للإبداع في إيجاد طرق تحبب الناس بالشعر والخروج عن المألوف فيه.... فلولا الكلمة لما كان التعبير ولا كان اللحن ولا كان الصوت ولا فاضت المشاعر.