هنالك بعض الدراسات التي تشير إلى أن الدماغ يتعلم من خبرات النجاح أكثر من خبرات الفشل التي تتمثل بالأخطاء، وذلك أن الخلايا العصبية في الدماغ قادرة على الاحتفاظ بذكرى النجاحات أثناء العمل والاعتبار منها بشكل أفضل من خبرات الفشل، حيث يعطي العقل إشارات طويلة الأمد في الخبرات الناجحة أكثر من الخبرات التي تتضمن الخطأ مما يجعل أثر الاستجابة العصبية اللاحقة أفضل، فالنشاط العصبي في الخبرات الخاطئة قليل نسبيًا.
ومن الأمور التي تفسر هذا الأمر بشكل علمي ما قاله البرفسور هوارد ايشنباوم في مركز الذاكرة والدماغ في جامعة بوسطن أن التعلم في كثير من الأحيان لا يتطلب تغيير اتصال الخلايا العصبية في كل تجربة مما يعني وجود سلوكيات مشابه للسلوكيات التي كانت خاطئة سابقا، وإن العقل يقوم بالاحتفاظ المؤقت للمعلومات ويبقيها متاحة للاسترشاد على الرغم من النتائج، حيث إن الخلايا العصبية في الدماغ بعد المرور بتجرية خاطئة تبقى نشطة لفترة قصيرة، وتساهم في التعليم بدرجة متوسطة، بينما الخبرات الإيجابية تعمل على زيادة التشابك المعرفي في العقل وتجعله أكثر قدرة على الاعتبار.
ومن ناحية نفسية قد يكون السبب في هذا الأمر عائد لما لدى الشخص من قناعات حيث أن الأشخاص في بعض الأحيان لا ينظرون للخطأ على أنه ليس خطأ ويبرر السلوك على هذا الأساس، إن التحايل على الواقع حتى لا يتم الاعتراف بالخطأ سبب في عدم اتعاظنا، قد يكون فقدان الإدراك والوعي سبب في عدم الاعتراف بالخطأ، وهذا ما يطلق عليه في علم النفس بالتحيز الداعم للاختيار، حيث يبدأ الشخص بتوجيه حديث ذاتي لنفسه يقنع نفسه بأن ما قام به أمر صائب ولا يحتمل الخطأ.
ومن الأمثلة التي توضح عدم الاتعاظ ما يطلق عليه متلازمة ستوكهولم للمشتري، أو متلازمة التبرير ما بعد الشراء حيث ينفق الشخص الكثير من المال على أمر معنى ولا يستخدمه بشكل نهائي ويعلم بأنه ما يقوم به أمر خاطئ إلا أنه يبرر لنفسه أنه سيحتاجه فيما بعد ويعود لنفس ارتكاب هذا الخطأ من جديد, وجود المبرر الداعم للخيار وهو الإنفاق كان سبب في عدم الاتعاظ هنا.
وأرى ومن وجهة نظر شخصية أن السبب في عدم الاتعاظ يعود للأسباب التالية:
عدم الوعي بالذات وعدم القدرة على أن يكون الشخص صريح مع نفسه؛ قد يكون الإنسان غير قادر على الاعتراف لنفسه بالخطأ وبتالي هو غير قادر على عدم تكراره للخطأ، غالبًا ما يرتبط هذا الأمر بالخوف من تدني تقدير الذات ففي كل مرة يعترف الشخص لنفسه بأنه مخطئ دون امتلاك الوعي والثقة بالنفس سيجد نفسه بأنه مختلف عن الآخرين وأقل منهم.
عدم تحمل المسؤولية؛ الشخص الغير قادر على تحمل مسؤولية أفعاله هو شخص غير قادر على الاعتراف بالخطأ وبالتالي عدم القدرة على إدراكه والاتعاظ منه، فهو يرمي بالمسببات على أشخاص آخرين أو عوامل محيطة.
عدم امتلاك الخبرات والمهارات؛ في كثير من الأحيان يكون الشخص مدرك لخطأة إلا أنه فقير للمهارة والخبرة والمعرفة، وغير قادر على توفير مصادر لاكتسابها، مما يعني تكرار الخطأ نفسه في كل مرة وقد نجد هنا أن التبرير بعدم امتلاك خيارات أخرى سبب في عدم الاتعاظ.
الإنكار والإحباظ؛ إنكار الخطأ على الرغم من وضوحه والشعور بالإحباط يجعل العقل البشري ضيق غير قادر على التعامل مع المواقف المختلفة وسبب في إظهار سلوكيات مشابه تسبب الفشل.
عدم امتلاك مهارات تفكير عليا؛ القدرة على التحليل والتركيب والنقد سبب في أن يكون الإنسان حكيم يتعامل مع المواقف بواقعية ويضع كل أمر في نصابه الصحيح، وفقدان هذه القدرات يعني تكرار الخطأ وعدم الاتعاظ.
السمات الشخصية؛ هنالك بعض السمات الشخصية التي تحرم صاحبها نت التعلم من الخطأ والاتعاظ منه وأهم هذه السمات التعصب وعدم المرونة.
المصدر:
- Why we don't learn from our mistakes
- Why It's So Hard to Learn from Our Mistakes (and What You Can Do)