قال الراحل الدكتور توفيق، مؤلف سلسلة ما وراء الطبيعة، عن علاقة الأدب والسينما "أي فيلم يُقدم عن رواية شهيرة لا يروق لقراء الرواية حتى لو أخرجه ستانلي كوبريك نفسه. لكنه بالطبع يروق جدًا لمن لم يقرأوا الرواية. " وهذا بالفعل ما قد حدث. فعندما تقرأ العمل الأدبي لسلسلة ما وراء الطبيعة، ثم ترى المسلسل الذي أخرجه عمرو سلامة لتقع في فجوة كبيرة ما بين الأصل والصورة.
تدور أحداث المسلسل والقصة عام 1969 مع الطبيب رفعت إسماعيل، الأستاذ المحاضر في الجامعة وطبيب أمراض الدم. وعند وصوله الأربعين من عمره، والذي يتشكك بقناعاته العلمية، عند تعرضه لأحداث ما وراء الطبيعة التي تؤثر على مقربيه ومن يحب، لتصبح مهمته مع زميلته ماغي الأسكتلندية أن ينقذوا هؤلاء الأحبة من الأخطار التي تحاصرهم.
في
الحلقة 3 من الموسم الأول ظهر العساس شبيهًا بالغوريلا مع ابن صغير، اختيار العسّاس (الوحش) بأنه الغوريلا، التي تعيش في صحراء ليبيا عام 1969 م كان ضربًا من الخيال. فالغوريلا حيوان لا يتواجد في كل بيئات المنطقة العربية وليس فقط في ليبيا حتى لو كان أسطوريًّا. كما أنّ ارتباط الغوريلا في الدراما والأفلام العربية مرتبط بالكوميديا والإضحاك – عكس الدراما الأجنبية مثل كينج كونج-. كما أن الغوريلا في المسلسل لم تظهر بهذه الوحشية أو الرعب، بل كان ظهورها مزعجًا ومثيرًا للشفقة. يفقد المخرج الإيقاع والوتيرة التي ابتدأ بها بقوة، فرفعت يتنقل من متاهة لأخرى في حبكة درامية متفككة لا تتناسق مع خيالية الرواية. وعند العودة لرواية أسطورة حارس الكهف ستجد أن الغوريلا ذُكرت كتخيل من قبل رفعت إسماعيل لمرة واحدة فقط، بل أن وصف العساس وفق الدكتور أحمد خالد توفيق كان: " "إنك تتخيله غوريللا ضخمة.. أو ذئبا عملاقا... في الواقع لا.. أنت مخطئ.. لم يكن (العساس) يشبه أي وحش من الوحوش التي تحترم نفسها.. كان شيئا يفوق قدرتي على التعبير". فكان الأجدى أن يكون تصوير العساس مخيفًا رهيبًا وفق تصورات الكاتب.
إن رغبتنا كقرّاء بمشاهدة الكائن الأسطوري لا يضمن حصولنا عليه. ولنفترض قبولنا بأن هذا الكائن هو الغوريلا، فقد كان تجسيدها الغرافيكي لا يمت للاحترافية بصلة، ويقارب للشكل الكرتوني. حتى أن البعض من معارفي قد علّق أن سبب ذلك قد يكون لظروف إنتاجية، فكان التسارع في التنفيذ، لتحميل الحلقة للمشاهدين في الوقت المناسب، أو وجود ثغرات في الميزانية اقتضت لملمة مشاهد الحلقة كيفما اتفق. وكانت الصدمة شعورنا بالشفقة والرحمة على الغوريلا لأنها تدافع عن غريزة أمومتها.
أحاول التفكير في رمزية الغوريلا على شاشاتنا العربية، فإذا تم النظر إليه من جانب العالم"فرويد"، فستكون تمثيل لمحركات اللاشعور لكنها ليست القوة التي تدمر الأشخاص بل تسيطر عليهم وتروضهم. بالنسبة لعلم النفس التحليلي، فالغوريلا هو تمثيل رمزي اجتماعي للتحالف ما بين الشخصية الاجتماعية والظل في مناطق التمثيل اللاواعي العميق. أي قد تكون علاقة ما بين رفعت إسماعيل والغوريلا يشكل أو بآخر، فكلاهما يحاول حماية أحبابه بطريقته المناسبة.
قد يكون هذا هو أقرب تحليل منطقي لما قد يقصده المخرج بمقاربة العساس للغوريلا، أو قد يكون ما ذكره أقاربي، أن ضعف الإنتاجية قد يكون هو السبب.
المراجع:
81 مشاهدة
