القرآن الكريم معجز في ألفاظه ومعانيه وترتيب سوره وآياته وكلماته، وقل كلمة ناسبها عن أن تكون في موضعها لا في موضع آخر، وهذا الإعجاز ليس موجوداً إلا في كتاب الله تعالى: (القرآن الكريم) فقط.
قال الله سبحانه وتعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [سورة النمل: 88].
أولاً: فقد عبّر الله سبحانه وتعالى عن حركة الجبال بالمرور بقوله تعالى (وهي تمر) بينما عندما تحدث عن حركة الشمس والقمر والأرض عبّر بفعل (تجري أو يجري) في قول الله سبحانه وتعالى: (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) [سورة الرعد: 2].
ثانياً: وذلك لأن سرعة جريان الشمس عالية جداً، فهي تجري سريعا تبلغ ملايين الكيلومترات في السنة فناسبها كلمة (تجري)، بينما تتحرك الجبال عدة سنتمترات في السنة فناسبها كلمة (تَمُرُّّ) للتأكيد على حركة الجبال الخفيفة.
ثالثاً: ولأن الجبال هي التي تثبت ألواح الأرض، بل هي التي تقود هذه الألواح وهي الجزء البارز والأكثر ثباتاً.
- كما أن الأبحاث العلمية تستخدم كلمة (سرعة) للجبال والشمس والمجرات وغيرها ولا تفرق بينها إلا بالأرقام، أليس هذا تفوق قرآني على العلم الحديث؟
رابعاً: كما أن سبب مرور السحاب هو نتاج حركة الرياح التي تدفع هذه الغيوم، وحركة الرياح ناتجة عن فرق درجات الحرارة. إذن فهنالك تيارات حرارية هي التي تحرك الغيوم. كذلك الأمر بالنسبة للجبال التي تتحرك بسبب حركة الألواح الناتجة عن فرق درجات الحرارة في الطبقة التي تلي القشرة الأرضية، إذن حركة الجبال ناتجة عن تيارات حرارية أيضاً.
خامساً: وذهب فريق من المفسرين إلى أن المراد بالآية حركة الجبال في الدنيا؛ حيث يحسبها من رءاها جامدة: أي واقفة ساكنة لا تتحرك، والحقيقة أنها تمر مر السحاب.
سادساً: وذهب فريق آخر من المفسّرين إلى أن المراد بالآية حركة الجبال بيوم القيامة، لأنّها وردت في سياق آياتها، فقد ورد قبلَها: (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ ومن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ وكل أَتَوْهُ دَاخِرِينَ).
سابعاً: أن فريق المفسرين الذين ذهبوا إلى القول بأن المراد بحركة الجبال في الدنيا هو الأصوب والأرجح وذلك من عدة وجوه:
1- أنّ الآية المتقدمة على هذه الآية، تبحث عن الحياة الدنيوية، يقول سبحانه: (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ والنهار مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَات لِقَوْم يُؤْمِنُونَ). فَتَوَسُّطُ الآيةِ الراجعةِ إلى يوم القيامة، لا يمنع صلة الآية بالحياة الدنيوية، إذا كان هناك صلة وتناسب بين الآيات، هذا مع أَنّ القرائن الموجودة في نفس الآية تؤيّد خلافه،
- كما أنه سبحانه وتعالى يقول: (تَحْسَبُهَا جَامِدَةً)، مع أنّ يوم القيامة، يوم ظهور الحقائق وكشف البواطن، وليس هناك سكون بل سوف يدك اللخ تعالى الجبال دكاً دكا.
2-ولأن الآية الكريمة تبحث عن الجبال الموجودة، مع أنّ يوم القيامة يوم تبدلّ النظام وتغيّره، يقول سبحانه: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ والسموات).
3- ولأن الله سبحانه وتعالى قد ختم الآية بقوله (صُنْعَ اللهِ الذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء)، وهذا دليل آخر على أنّه لا صلة للآية بالقيامة، إذ الصنع يناسب حياتنا الدنيوية، وأمّا يوم القيامة، فهو يوم إبادة نظام الحياة فالجبال تتلاشى وتتمزق، فلا يناسبه التركيز على إتقان الصنع.
4-كما ختمها بقوله سبحانه: (إنّه خبيرٌ بِما تَفْعَلونَ)، فهذا تصريح في أنّ الآية راجعةٌ إلى الحياة الدنيوية، ولو كانت ناظرة إلى يوم القيامة، لكان المناسب أن يقول: «خبير بما فعلتم».
- والله تعالى أعلم.