أحب أن اسمي هذه الفكرة الفخ الأعظم في رحلة النجاح والتطور الخاصة بك؛ لأنها تبدو للوهلة الأولى أنها المشكلة التي ستحرمك طعم التفوق اللذيذ، لكن عند بحثك في جذورها ستدرك أن المشكلة الحقيقة تعود
للعقلية التي كونت لدينا منذ صغرنا عن النجاح وتحقيق الأهداف. إذا تذكرت أحد الأفلام التي ينتقل فيها البطل من شخص هزيل وضعيف إلى شخص ذو شخصية وبنية جسدية قوية ستدرك أنك لم ترَ الطريق الطويل المحفوف بالفشل والمشقة الذي مر به. فعادة ما يعرض صانعو الأفلام البطل بهيئته الجديدة مع كتابتهم لجمل مثل "بعد عدة أشهر" أو "بعد عشر سنين"، وإذا كنت محظوظًا ستجدهم يعرضون جزءًا بسيطًا من رحلة التغيير في فترة لا تتعدى الثلاث دقائق.
ويتكرر ذلك أيضًا في كتب السيرة الذاتية أو قصص الأشخاص الناجحين؛ فمع أنهم يعرضون لك المشاكل الصعبة التي مروا فيها وحالتهم النفسية وقتها هم فعليًا يحتفظون ببعض التفاصيل لأنفسهم أو يختصرون بعض المشاكل التي قد تبدو تافهة وبسيطة عند مقارنتها ببعض الفاجعات التي مروا بها. سواء كان الأمر يتعلق بالأفلام الخيالية أو الأشخاص الناجحين من المستحيل أن يتم اختصار عشرات السنوات في فيلم لا يتجاوز الساعتين أو كتاب لا يتجاوز مئات الصفحات. قد نضجنا على عقلية تركز على اللحظات السحرية التي يصبح البطل فيها قويًا متناسيين المشقة التي أخفتها عبارة "بعد عشر سنوات"، وتناسينا لهذه التفاصيل تجعل تحقيق النجاح يبدو كأمر بعيد المدى.
قد واجهت هذه المشكلة شخصيًا ويواجهها ملايين الأشخاص في أنحاء العالم، وحقيقة أننا ولدنا في عصر اختل فيه أيضًا إفراز الهرمون المسؤول عن صنع الرغبة والحافز للوصول للأهداف (هرمون
الدوبامين) يجعل الموضوع أكثر تعقيدًا. يعمل لدى شركات مواقع التواصل الاجتماعي فريق مختص لدراسة نفسية المستخدمين وأثر تلك المواقع عليهم، ويعملون بجد على إضافة الخواص التي تجذب المستخدمين لهم لساعات أطول. ومن أحد أهم الحقائق البشرية التي يعملون عليها أن المكافآت التي يتم الحصول عليها بصورة
أسهل وجهود
أقل تدفع الجسد على إفراز هرمون الدوبامين بقدر كبير؛ مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية وحتى الطعام غير الصحي تتحقق فيهم الشروط التي تفرز الهرمون بقدر كبير بالتالي يتحقق الإشباع اللحظي لدى الإنسان.
العمل على الأهداف لتحقيق ما تتمناه في الجهة الأخرى تكون مكافأته مؤجلة ويحتاج لكم هائل من الجهد المتراكم للوصول إليه أي إفراز دوبامين أقل، فتشعر أنك لا تتحرك مطلقًا بتحقيق ما تتمناه لأنك لا تشعر بالإشباع اللحظي الذي يتم توفيره من الأمور التي تمضي فيها معظم أوقاتك. وتمامًا كالمخدرات أجسادنا تعتاد على جرعات دوبامين كبيرة تجعل دافعك للعمل على الأهداف أقل، فتبدأ بالتقاعس عن العمل مما يزيد من تأخير الوصول إلى أهدافك. الأسباب السابقة يعود لها شعور الإنسان الحديث بأن الأهداف تأخذ وقتًا طويلًا لكنها ليست الوحيدة؛ فالبعض يواجه مشاكل في التخطيط للطريقة التي سيسيطر ويصل فيها لأحلامه أو يعاني من شعور المقاومة الداخلية نتيجة بعض الأفكار عن أهدافه وقدراته بالتالي يأخذ تحقيق المهام البسيطة منه وقتًا طويلًا.
أود أن أشجعك على القيام بالأفكار الآتية التي ساعدتني على التأني في رحلتي للوصول لما أتمناه:
* استخدم الخريطة الذهنية لأهدافك: في بعض الأحيان عدم استيعابنا لحجم ما نتمناه وعدد الخطوات الهائلة التي يجب علينا القيام بها يجعلنا نخطئ في تقدير الوقت الذي سنحتاجه، والخريطة الذهنية ستجعل الأمور أكثر وضوحًا بالنسبة لك عن طريق وضع خطتك بنموذج واحد. قم بإحضار ورقة كبيرة واكتب في منتصفها داخل دائرة الهدف النهائي الذي تود الوصول له كأن تخسر الوزن غير الصحي مثلًا، أخرج من هذه الدائرة أسهم تكتب في كل منها الأمور التي يجب عليك القيام بها لخسارة الوزن كأن تمارس الرياضة بانتظام، ثم أخرج مجددًا أسهم تكتب فيها ما تحتاج للقيام به لتحقيق الخطوات، فقد تكتب عند "ممارسة الرياضة" التسجيل في نادي رياضي وكتابة جدول الرياضة، أكمل على هذا المنوال حتى تصل لنقطة لا يمكنك الإضافة إليها. ستمتلك بالنهاية خريطة ضخمة جدًا تساعدك على استيعاب أن الهدف يستحق ذلك الوقت الطويل للحصول عليه، ثم ابدأ بالعمل من النقاط الأبعد عن الهدف الكبير (التي قمت بكتابتها بنهاية خريطتك).
* استخدم قاعدة الخمس ثواني: المهمة الرئيسة لعقولنا هي حمايتنا من المخاطر والأمور غير المألوفة، وباللحظة التي تقرر القيام بأمر لست معتادًا عليه أو أمر قد يتعبك جسديًا أو نفسيًا سيقوم عقلك بكل ما فيه من قوة بمقاومة العمل، خاصة الأعمال التي لن تحقق له إشباع لحظي أي دوبامين أقل، مما يجعل جسدك في حالة من عدم الاتزان غير المرغوب لحصوله على جرعة من الدوبامين أقل من تلك التي اعتدت عليها. ابتكرت الكاتبة ميل روبنز قاعدة الخمس ثوان مع اهتمامها بهذه الحقائق، إذ تنصحك في حال شعورك بمقاومة عقلك لقيامك ببعض الأمور سواء البدء بالمهمة أو إطفاء السيجارة بالعد بشكل تنازلي من العدد 5 للـ 1 وعند الانتهاء من العد تقوم بالفعل الذي تقاومه فورًا، وقد
تحدثت سابقًا عن كتابها إذا رغبت بقراءة المزيد عن الفكرة.
* طبق صوم الدوبامين: لكي تعيد مستويات الدوبامين لمعدلاتها الأصلية وتجعل النسبة القليلة التي تفرز قبل قيامك بالمهام كافية للبدء فيها قم بتطبيق فكرة صوم الدوبامين، وبها تمنع نفسك عن المشتتات والأمور غير المفيدة التي تفرز هرمون الدوبامين
بكثرة كمواقع التواصل الاجتماعي والطعام غير الصحي لفترة من الزمن. أنصحك بأن تبدأ بالبداية بالانقطاع عن تلك المصادر لساعة فقط يوميًا ثم لأربع ساعات، ثم انتقل للقيام بهذه الفكرة بشكل أسبوعي لمدة 24 ساعة -أي يوم واحد معين من الأسبوع تنقطع فيه عن المصادر التي تفرط بإفراز الهرمون-. بعض النصائح والأفكار المهمة التي يجب الاهتمام بها عند القيام بالصوم:
- امتنع عن الأمور التي تفرط الدوبامين
بكثرة لا جميع الأمور التي تفرز الدوبامين؛ فممارسة الرياضة يفرز الهرمون بمعدلات صحية والنشاط بشكل عام يعود بفائدة عظيمة لك.
-استخدم برامج لحظر مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية كبرنامج (
flipd) أو بإمكانك حذفها للمدة التي ستصوم فيها.
- تجنب جميع الأطعمة غير الصحية وتناول الأطعمة ذات القيم الغذائية المفيدة باعتدال.
- استخدم بقية وقتك للقيام بأمور مفيدة كالعمل والتعبد ولا تضيع وقتك باللهو بالأرجاء.
- ستشعر بالملل الشديد وهذا هو المطلوب؛ فلا تسمح للملل بدفعك للانسحاب.
- في بقية الأوقات والأيام قلل من استخدام المصادر السلبية لهرمون الدوبامين، وقم بجعل الحصول عليها صعبًا كأن تجعل متابعتك لمواقع التواصل الاجتماعي
كالفيسبوك على المتصفح فقط، وأن لا تحتفظ بالشوكولاتة بالمنزل وتربط الحصول عليها بالسير على الأقدام للبقالة.
*
احتفل بالنجاحات الصغيرة: السعادة الفعلية مربوطة بطريقك للأمر الذي تتمناه لا بالوصول إليه، وكوننا نرفض الاحتفال بالأمور الصغيرة التي ننجزها يفقد هذه الطريق الطابع الممتع الذي هو عليه، لذلك في المرة القادمة التي تخسر فيها بعض الكيلوغرامات أو عند تحقيقك لأحد أهدافك الدراسية قم بالاحتفال بطريقة صحية وصحيحة بإنجازك كأن تشتري لنفسك القميص الذي كنت ترغب فيه أو بزيارتك للمقهى المفضل لك، وشارك إنجازاتك مع الأشخاص الذين تعلم أنهم داعمون لك لكي تحتفل فيها معهم.