تدل الآثار على أن عصر الزيتون بدأ في فلسطين، ومن الشواهد الحية على ذلك، وجود أقدم وأكبر شجرة زيتون في العالم والواقعة في مدينة بيت لحم، التي يُقدّر عُمرها بنحو خمسة آلاف عام، فتاريخ الزيتون ضارب في القدم ومكانتها مع توالي الأجيال أخذت تزداد حتى اكتسب مكانة خاصة في فلسطين لتنال لقب "أرض الزيتون"، فما أبرز العوامل التي ساهمت في ترسيخ مكانة الشجرة في الأرض المقدسة؟
خصوبة الأرض
ما ساعد فلسطين على أن تكون موطنًا لشجرة الزيتون، هو أن أراضيها خصبة؛ كون المناخ الفلسطيني معتدل، أي ممطر شتاء، ومعتدل الحرارة صيفًا _ باستثناء منطقة الأغوار الحارة جدًا صيفًا والدافئه شتاء _، وتنتشر أشجار الزيتون بكثافة في المناطق الريفية الشمالية من السلسلة الجبلية الوسطى، وذلك ما يُفسر ارتباط المظهر الريفي الفلسطيني ارتباطًا وثيقًا بالسناسل الحجرية التقليدية؛ والتي تعمل على الاستفادة من المنحدرات الجبلية، والاحتفاظ برطوبة الأرض، ومنع انجراف التربة.
وقد ساهمت خصوبة الأرض في جعل محصول الزيتون ركنًا أساسيًا من الاقتصاد الفلسطيني، فالأرقام تُشير إلى أن إنتاج الزيتون يمثل 57٪ من الأراضي المزروعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث يوجد 7.8 مليون شجرة زيتون مثمرة بحسب التقديرات الصادرة عام 2011، كما تم في عام 2014 عصر ما يقدر بـ 108 آلاف طن من الزيتون والتي تنتج 24700 طنًا من الزيت، في حين يوجد حوالي 100 ألف أسرة تعتمد على الزيتون كدخل أساسي، وهو بذلك ارتبط بأسباب العيش لدى الفلسطينيين.
إرث تاريخي
لقد شكل زيت الزيتون عمادًا أساسيًا للغذاء الفلسطيني، بينما كانت تستخدم الكميات الزائدة عن الحاجة للتجارة؛ فقد كانت فلسطين مركزًا هامًا لإنتاج زيت الزيتون، ويُعد وجود أعداد كبيرة من المعاصر الحجرية التي تعود إلى العصور الرومانية أبلغ مثال يروي ارتباط فلسطين بالزيتون والذي تطورت زراعته في المنطقة المحيطة بمدينة نابلس بين 1700 و1900 لتصبح مركزاً رئيساً للإنتاج، وفي تلك الفترة استخدم الزيت المستخرج كبديل للنقود؛ حيث خُزّن الزيت في آبار عميقة ليستخدم كوسيلة للدفع بين التجار.
من جهة أخرى، تعتبر شجرة الزيتون ذات أهمية في الديانات الثلاث في المنطقة؛ اليهودية، المسيحية، الإسلام، والتي ظهرت جميعها في فلسطين، حيث أشارت الكتب العبرية إلى الزيتون كرمز للإزدهار، كما استخدم زيت الزيتون للدهن كجزء من الممارسات الدينية في المسيحية، أما في الإسلام، فقد أعطيت شجرة الزيتون مكانة خاصة بتخصيص ذكره في عدد من السور والآيات في القرآن الكريم بوصفها "الشجرة المباركة". فالزيتون يرتبط تاريخيًا وعقديًا بأرض فلسطين وسكانها العرب.
رمز قومي وهوية وطنية
تعتبر أشجار الزيتون عنصرًا رئيسيًا في الحياة الزراعية الفلسطينية التقليدية، حيث لا زال الأهالي وتحديدًا أبناء الريف يمارسون وعائلاتهم طقوس قطف الزيتون بشكل جماعي لمدة شهرين اعتبارًا من منتصف سبتمبر، وتقوم أحيانًا وزارة التربية والتعليم والجامعات، بإعطاء الطلاب إجازات للمشاركة في القطف.
وتختلف عادات الأسرة الفلسطينية أثناء موسم قطف الزيتون في كثير من الأمور وخصوصاً فيما يتعلق بتحضير الطعام حيث يتم الاعتماد على المعلبات لانشغال النساء بقطف الزيتون، كما يرتبط موسم الحصاد بإقامة الأسر احتفالات تُعزف فيها الموسيقى التقليدية الفلسطينية والرقص الشعبي، ذلك جعل الفلسطينيون ينظرون إلى شجرة الزيتون باعتبارها رمزًا قوميًا وهوية وطنية، كما أصبحت الشجرة مثالًا للفسلطيني المرتبط بأرضه ارتباط الشجرة بالأرض.
جدير بالذكر أن تدمير أشجار الزيتون الفلسطينية أصبح سمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مع تقارير منتظمة تتحدث عن الضرر من قبل المستوطنين الإسرائيليين، الأمر الذي ساهم في تعطيل حركة الإنتاج وأضر بالمحصول وعاد على الأهالي والأسر الفلسطينية بشكل سلبي.