كلما زاد علم المرء زاد تخليه وزهده، وكثرت مشاغله وقل وقت فراغه، وربما هذه أهم الأمور التي تجعل من حياة العباقرة كفافًا، لا يسعون لجمع الملايين من النقود أو الأملاك.
شاهدت مرة حلقة من مسلسل "مرايا" كان فيها البطل ياسر العظمة يراهن صديقًا ثريًا له على قدرته العيش مسجونًا لمدة 15 عامًا دون أن يرى أي شخص أو يتكلم حتى مع الحراس مقابل أن يأخذ ثروة صديقه كاملة إن تمكن من ذلك، في بداية مدة سجنه طلب المسجون الكثير من الكتب والأشرطة ليمضي وقته في تعلم اللغات حول العالم، ومع مرور الوقت، ازداد شغفه في القراءة وحب التعلم، فطلب كتب الفلسفة، والأدب، والدين، والتاريخ، والجغرافيا، وهكذا أمضى سجنه في القراءة.
وفي آخر ربع ساعة من انتهاء الخمسة عشر عامًا، كان صديقه الثري على وشك الانهيار، لأنَّ صديقه المسجون تمكن من إنهاء المدة التي ستجعله يأخذ ثروته كاملة، وحين استسلم للأمر الواقع، ذهب ليخرجه من سجنه، ليفاجأ بأنه قد خرج في الربع ساعة الأخيرة، تاركًا رسالة يقول في مجملها إنه سافر حول العالم في سجنه بينما كان يقرأ، ففي سجنه التقى بمشاهير القرون الماضية وحضر معارك تاريخية، وشهد حضارات شتى، وتجول في أرجاء الدنيا بين بحارها، وجبالها، وقبائلها، وهكذا، فالعلوم والمعارف التي استقاها في مدة سجنه جعلته يستسخف الدنيا وثرواتها، فهي أقل أهمية من الفكر والعلوم.
كان اسم هذه الحلقة "الرهان"، ستجدها على موقع يوتيوب أنصح بمشاهدتها.
ويروى عن الإمام الشافعي -رضي الله عنه- وهو المعروف بغزارة علمه الديني، وما زالت علومه تُدَرس في الجامعات في وقتنا الحاضر، أنه سُئل يومًا: "لماذا لم تتزوج يا إمام؟"، قال: لولا ذكرتموني!".
من هنا نستنتج أيضًا أنَّ انشغاله في العلوم يجعله لا يلقي بالًا لما هو دون ذلك.
51 مشاهدة
