يقول العالم الفيزيائي الشهير آينشتاين : إن التفكير المنطقي سيسافر بك من النقطة (أ) إلى النقطة (ب) ، أما الخيال فسيسافر بك حيث تشاء!
بالنسبة للمواضيع الغريبة عن التجربة البشرية المعهودة والمحدودة بالأحداث اليومية، إذا حاولنا فهمها و النظر إليها بعين المنطق فقط و استبعدنا الخيال فلن يؤول بنا ذلك إلى أي مكان. كذلك كان الحال بالنسبة لآينشتاين عندما ساعدته مخيلته الخصبة بتخيل الشكل الذي سيكون عليه الكون من نظر المراقب إذا كان يسير بسرعة تقترب من سرعة الضوء.
فدعونا نسرد عليكم قرّائنا الأعزاء تسلسل الأحداث الذي بدأ به آينشتاين منذ لحظة التفكّر الأولى و حتى اللحظة التي خرج بها بمفهوم النظرية النسبية.
- المبدأ الأول : سرعة الضوء ثابتة : بدأ آينشتاين نظريته النسبية بالركيزة الأولى التي تعتبر أحد أعمدة النظرية النسبية، ألا و هي سرعة الضوء الثابتة، بمعنى، أن سرعة الضوء ثابتة بشكل مطلق ولا يمكن أن تكون نسبية في أي حال من الأحوال.
فمثلاً: دعوني أقرب لكم ذلك بمثال، فلنتخيل أنك موجود في سيارة تسير بإتجاه معين خلف سيارة أخرى تسير بنفس الإتجاه، و أن سرعتك كانت 70 كم/ساعة و سرعة السيار التي أمامك 100 كم/ساعة، سوف تبدو لك السيرة التي تتحرك أمامك كأنها تسير بسرعة 30 كم/ساعة لأن المنطق يحتّم عليك أن تطرح سرعتك من سرعة السيارة التي أمامك.
أما عندما نتحدث عن سرعة الضوء، فمهما كانت السرعة التي تسير بها سيارتك كبيرة، فسوف تبقى سرعة الضوء ثابتة بالنسبة لك لا تنقص ولا تتغير، فإذا شغّلت ضوء السيارة التي تركبها مثلاً، فالمنطق الكلاسيكي يقول أنك يجب أن تجمع سرعة الضوء مع سرعة مصدر الضوء لتخرج بالسرعة النهائية بالنسبة لمراقب خارج السيارة، و أن تطرح سرعة السيارة من سرعة الضوء بالنسبة لمراقب داخل السيارة، ولكن هذا المنطق النسبي في جمع السرعات و طرحها لا ينطبق في حقيقة الأر على سرعة الضوء، أي أن سرعة الضوء لا تزيد ولا تنقص في أي حال من الأحوال، هي ثابتة و هي مطلقة.
- المبدأ الثاني : الإطار المرجعي القصوري : تخيل أنك موجود في حيز فارغ تماماً، إلا من الشارع الذي تسير عليه و السيارة التي تتواجد أنت فيها، و تخيل كذلك أن المركبة التي تتواجد فيها تسير بسرعة (ثابتة)، أم أن الشارع هو الذي يتحرك تحت عجلات مركبتك؟ الشارع أم المركبة؟ في حقيقة الأمر لا يوجد هناك أي طريقة أو أي تجربة فيزيائية تستطيع في هذا الوضع أن تستدل من خلالها أي منهما هو الذي يتحرك، و هذه المعرفة أيضاً غير ضرورية، لأن قواين الفيزياء سوف تعمل بنفس الطريقة سواء أكانت المركبة هي التي تتحرك بسرعة ثابتة أو كان الشارع هو الذي يتحرك بسرعة ثابتة. تسمّى هذه الحالة حالة الإطار المرجعي القصوري أو Inertial frame of reference و الذي فيه لا يوجد فرق بين الحركة و الثبات.
غيّر هذين المبدأين شكل الفيزياء بالنسبة لنا، و على وجه الخصوص نظرتنا لمفهوم الزمان و المكان. إن تجربتنا اليومية توحي لنا بوجود عنصر الزمان بشكل منفصل عن المكان، ولكن هذه ليست الحقيقة، إنما هي ناتج قصور مشاهداتنا المحدود و تجربتنا البسيطة.
و لأقرّب لكم ما قصدت، سأدلي بدلوي بإحدى التجارب الفكرية التي ستقرب لكم المقصد. فلنتخيل وجود أخوين توأم و لسهولة الدلالة لنسميهما الأخ أ و الأخ ب، و لنتخيل أيضاً أن أحدهما " ليكن أ مثلاً " قد قرر السفر في مركبة فضائية، و قد فعل، و لنتخيل أن هذه المركبة الفضائية تحمل على متنها ساعة على شكل لوحين متوازيين و ضوء يخرج بشكل عمودي ذهاباً و إياباً و يقطع مسافة متراً واحداً بين اللوحين بالنسبة للأخ الموجود على متن المركبة، أما بالنسبة للأخ المراقب من سطح الكر الأرضية فسيرى فسيرى أن هذا الضوء يقطع مسافة أطول من متر واحد. فرؤية من منهما هي الصحيحة؟ الجواب : كليهما. لماذا؟ لأن كلاهما موجودين بإطار مرجعي قصوري منفصل عن الآخر، و رؤية كليهما بالنسبة للإطار الموجود فيه صحيحة، و لا يوجد أي ألوية في صحّة أي إطار عن الإطار الآخر، فإن قواين الفيزاء تسري عليهما بنفس الشكل.
و كما نعلم جميعاً فإن سرعة هذا الضوء المنطلق من الساعة = المسافة ÷ الزمن
ولكننا نعلم من المبدأ الأول أن سرعة الضوء ثابتة و ليست متغيرة، تقاس بنفس السرعة لدى التوأمين، و لأن مسافة الضوء كانت مختلفة بالنسبة للتوأمين، فإن الطريقة الوحيدة للمحافظة على سرعة الضوء ثابتة هي التلاعب بالزمن و تغييره
أي سيتم تغيير الزمن بحيث يمر بشكل أبطأ على المركبة من مروره على الأرض، و هذا ما يُعرف بـ :
- المبدأ الثالث : تباطؤ الزمن Time Dilation : الذي ينص على أن الوقت متغيّر، نسبي و ليس عنصر مطلق ثابت في جميع الأطر القصورية و تحت جميع الأحوال، أي أن الوقت سيمر على كل مراقب بطريقة مختلفة بحسب موقع المراقب و بحسب سرعته، فكلما زادت السرعة يتباطئ الزمن بالنسبة لمراقب ثابت و العكس صحيح.
- المبدأ الرابع : تقلّص الأطوال Lengthcontraction : تتقلص الأطوال أيضاً عند الحركة بالنسبة لمراقب آخر ثابت، كلما زادت السرعة، كما تقلصت الأطوال.
إن السفر بالسرعات القريبة من سرعة الضوء أمر صعب جداً، إن لم يكن مستحيلاً، لأنه و من أجل تنفيذ ذلك، فأن أي كتلة من أجل أن تصل لسرعة قريبة على الأقل من سرعة الضوء تحتاج لطاقات هائلة جداً لا يمكن للقدرة البشرية المحدودة توفيرها.
أتذكرون مثال التوأم؟ دعونا نبني عليه مجدداً! لنتصور أن الأخ الذي سافر ( أ ) قرر العودة الى سطح الأرض بعد مرور عشر سنوات، و لنفترض أن المركبة كانت تتحرك طوال فترة الرحلة بما مقداره 95% من سرعة الضوء، فإنه و عند لحظة عودة المسافر إلى سطح الأرض سيرى أن أخاه التوأم أصبح الآن أكبر منه بعشرين عاماً!
تسمّى هذه المعضلة بمفارقة التوأم Twin paradox ، و تكمن المفارقة بصلب النسبة نفسها، لقد قلنا في مرحلة ما أنه في حالة الأطر المرجعية القصورية، و بحالة حركة أحد الأطر بسعة ثابتة فإننا لن نستطيع تحديد أي منهما هو الذي يتحرك، في الواقع، سيرى كلاهما أن الآخر هو الذي يتحرك. و كنتيجة لذلك فإن قوانين الفيزياء ستسير بنفس الشكل، فلماذا إذاً يتحتم على الأخ الذي بقي على الأرض أن ينتهي به المطاف أكبر عمراً طالما أنه لا يوجد فرق من تحرك و من لم يفعل؟
السر يكمن في التسارع : فبلحظة ما، و لكي تستطيع المركبة العودة إلى سطح الأرض يجب أن تستدير من رحلتها عائدة إلى النقطة التي انطلقت منها، فإن لحظة تغيير الإتجاه هذه تعتبر لحظة تسارع بالنسبة للمركبة، و بالتالي، و لأن السرعة في تلك اللحظة لم تعد ثابتة، فإنها ليست في إطار مرجعي قصوري الذي يشترط ثبات السرعة، و هنا لن تنطبق قوانين النسبية الخاصة عليها، فسنستعين بالنسبية العامة من أجل تفسير مصيرها بعد التسارع الذي أحدثته.
و تنص النسبية العامة على أن التسارع و الجاذبية ما هما إلا وجهان لعملة واحدة، أي في لحظة التسارع تلك التي حدث للمركبة، إزدادت قوة الجاذبية في تلك اللحظة و بالتالي سيمر الوقت عليها بشكل أبطأ .