كيف يمكن للقصة والرواية أن تحاكي الواقع العربي المعاصر دون الدخول في لهجاتها وهل تقف اللهجات في طريق الفن المكتوب ؟

1 إجابات
profile/أريج-عالية-1
أريج عالية
educational consultant في freelance (٢٠١٨-حالياً)
.
٠٨ فبراير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
   ترتبط اللغة العربية الفصحى بلهجاتها، مما أدى لانتقال كثير من صفاتها إليها. حتى أصبحت الفصحى مزيجًا من اللهجات، والعكس صحيح. فاللهجة من وجهة نظر الباحثين هي مجموعة من الخصائص اللغوية الصوتية والنحوية والدلالية والصرفية، يتحدث بها مجموعة من الناس في بيئة جغرافية معينة، بحيث تتميز عن باقي اللهجات الأخرى. ويتداولها الأفراد لتبقى ذات خصائص حتى لا تندثر أو تصبح غريبة. أنّ دراسة اللهجات العربية الجديدة، والتعرف إلى خصائصها التي تشترك مع اللغة العربية، يساهم في تقريب المسافات بينها، وتقليل الفجوات بينها. مما يعمل على تعميق الفهم بين أبناء اللغة العربية، وتوثيق الروابط بينهم. 

  مع إدخال التعديلات على اللغة العربية الفصحى، بتداول العامية بها في وسائل الإعلام والشعر والنثر والبرامج الثقافية والمسلسلات والأفلام ومواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت سيادة اللهجة العامية أمرًا حتميًّا، مع اعتراض أصحاب النقد والمدافعين هن اللغة العربية الفصحى، الذين أقروا حدوث ضعف في اللغة العربية واستبدالها باللهجة العامية. ومما ساهم في تداول العامية على العربية، دخول العلوم والفنون الجديدة على اللغة العربية، ووجود بعض المصطلحات والمفاهيم الغربية التي استسهل مترجمو الكتب تدوينها بلغتها الأم، وتعمد بعض المترجمين للكتابة بالعامية للوصول للجميع على اختلاف معرفتهم باللغة العربية؛ فمن وجهة نظرهم أنهم يكتبون لأمة جمعاء لا لفئة معينة من مثقفي اللغة العربية. مع اعتقادهم بوجود التعقيد وقلة المرونة وصعوبة استجابة اللغة العربية للتطورات المعاصرة. 

قد تسرد القصة عالماً من المشاعر المتناقضة التي يُحدثها الغياب المادي والمعنوي، هي موضوع يتم اختياره ليتيح الفرصة للكاتب للتعبير عن نفسه وتبيان موقفه وإحساسه، لذا يمكن اعتبارها موضوع ما وراء الموضوع، أي أنها موضوع ذو مضمون أدبي. يقول "فرانك أوكونور: "أعتقد اعتقاداً قوياً أننا يمكن أن نرى في القصة القصيرة اتجاهاً عقلياً يجتذب جماهير الجماعات المغمورة على اختلاف الأزمنة وأن الرواية مازالت بالفكرة التقليدية عن المجتمع المتحضر". فالرواية تعتمد في تحقيق المعنى على التجميع، وتقدم حياة كاملة لشخصية أو عدة شخصيات، مع تعدد وتنوع الأماكن للأحداث، بلغة سردية مسهبة فهي عمل فنّي من أشكال القصة. ويرجع الاختلاف ما بين الأدبين طبيعة الهيكلية الفنية لهما. وتعتمد الكتابة على الأغلب في القصة والرواية على اللغة الفصحى للوصف والسرد والتفصيل لدمج القارئ في البيئة التي تجري بها الأحداث. 

   فحتى القصة والرواية قد طالها دخول العامية عليها من خلال عنصر الحوار، كما أن بعض القصص الشعبية قد اعتمدت اللهجة العامية المحكية لترويجها وعرضها على الجمهور المستهدف. ومع ذلك، استطاع بعض الكتاب مثل طه حسين وعباس محمود العقاد قد امتنعوا عن الكتابة العامية، وشاركهم هذا الاتجاه عبد القادر المازني الذي وجد أن العامية قاصرة، ولا تمتلك المرونة المطلوبة. إلا أن بعض الكتّاب قد مال لكتابة الحوار فقط باللغة العامية لجذب القارىء، ودمجه بالمواقف المحكية، وإسباغ الواقعية على قصته أو روايته، ومن ضمنهم أحمد بهجت في روايتيه" تحتمس 400 بِشَرْطَة" و"حوار بين طفل ساذج وقط مثقف"، والكاتب محمد حسين هيكل في روايته" زينب" عام 1913، وقد لاقت رواجًا كبيرًا ونقدًا في المجتمع الأدبي النقدي. كما قام توفيق الحكيم بكتابة الحوار للعوام في روايته" عودة الروح". 

  استخدام اللغة العامية أو المحكية أو الدارجة مع اللغة العربية في القصة والرواية، تضع النص الإبداعي بين مطرقة وسندان، فالبعض يرى أن الكاتب يضع نصه الأدبي ضمن مستويين لغويين، ويصبح النص أكثر ترجمة للواقع المحكي الذي يستخدم العامية كأداة للتواصل، كما تثري العامية المعجم اللغوي وتكسبه تنوعًا ومرونة، ويخلق روابط قوية مع اللغة العربية. كما يحافظ المزج ما بين اللغة العربية واللهجة العامية على التراث الشعبي العربي، وبعض المصطلحات والأمثال الدارجة. كما يرون وجود تقاطع ما بين اللغة العربية واللهجة العامية في جذور بعض الكلمات مثل كلمات " شالَ، عيِّل، ذيب، مبسوط، بَحَش، عيّط، هلّق، هلقتنيّة، هسّا، إسّا، لسّا، دالحين". وممن دعا للكتابة المختلطة سلامة موسى الذي حثّ على تطوير اللغة العربية وتبسيطها بسبب أمية العامة. كما يعتقد بعض الأدباء أن اللغة العامية هي في الأصل الجانب الذاتي من النظام اللغوي. 

  أما الطرف المؤيد للغة العربية ويزدري استخدام العامية، فقد كانت حججه مرهونة بالحفاظ على اللغة الأصيلة ومنع اندثارها، وقصور اللهجة العامية على فضاءات اجتماعية محددة، ومنظور ضيق لأصحاب اللهجة وحدها دون غيرهم. وضرورة تحمل الكتّاب حفظ اللغة العربية من الشتات في ظل التطورات المتلاحقة وتعامل الناس اليومي مع اللهجات لا اللغة العربية. كما قاموا بوضع نظرية للمؤامرة حول رغبة الغرب في القضاء على اللغة العربية والعروبة. كما كان طه حسين من أشهر من ذاد عن اللغة العربية، ويخالف من يدعو إلى التبسيط في اللغة بدمجها بالعامية والتقليل من التشديد على قوانين النحو والصرف. ومن هنا قامت الحرب على سلامة موسى قادها كل من مصطفى صادق الرافعي وعباس محمود العقاد، حيث قال عنه الرافعي أنه عدو الإسلام ولا يفقه بأي دين من الأديان، ووصمه العقاد بأنه ليس عربيًّا؛ رغم أن موسى كان يكتب بالعربية الفصحى!. كما تفاخر أحمد بهجت بعاميته المصرية في كتاباته ووجد صعوبة في ترجمة بعض كلماتها إلى اللغات الحية، والتي تحاكي واقع البيئة الشعبية المصرية. كما يدافع كتّاب العامية ضرورة محاكاة لغة المشتري السوقية للقصة والرواية، لحث المجتمعات على قراءة الكتب وعدم نبذها وتعويدهم على حبها وجعلها ضمن المهارات الحياتية اليومية. 

  وحتى تصبح القصة أو الرواية مقاربة للواقع، يجب على كاتبها أن يعالجها بتفاصيلها السردية، مهما كانت طبيعتها. كما عليه تطويع النص بترابط الجمل وسلاسة الأفكار ودقة التعبير عن التفاصيل، ليشكل لوحة تحف بالعناصر السابقة وتوصل هدف وغاية الكاتب من نصه. ويكون ذلك من خلال الاعتدال لا الإفراط في استعراض المصطلحات اللغوية أو حشو المفردات العامية، ضمن صياغة احترافية تعكس المكان والزمان والأحداث والصورة للجمهور المستهدف. مع تطويع أدوات اللغة المختلفة كالاقتباسات، والشعر والأمثال التي تكون إسقاطًا للواقع، وتكسب النص وقعًا جماليًّا مؤثرًا. إنّ الانغماس بالتفاصيل يمنح القصة أو الرواية بعدًا إنسانيًّا، يعيش معها القارئ تقمصًّا وجدانيًّا لواقع الشخوص المحكية. 

  وعلى الرغم من اختلاف الآراء وتعددها، إلا أنّ صحة أدلة الطرفين ومنطقيتها تجعلنا في حيرة من تبني أحدها. لذا تبقى لكل طرف مسوغاته، وللقارئ الحق في قراءة ما يبتغيه ويعجبه. مع الأخذ بعين الاعتبار حتمية الالتزام بوضع كلمات اللهجة العامية في مكانها وعدم حشوها بطريقة فجّة، فلا مانع من التجريب دون تجاوز الأصول والقواعد اللغوية الأصيلة. فالغرض في النهاية من إدخال العامية هو التعبير عن المشاعر للوصول لنظرة واقعية شاملة تتضمن بنى فكرية وتركيبية ونحوية وصوتية مناسبة ضمن صياغات إبداعية تختزن لا تختزل الدلالات النفسية لكاتب النص، وتبوح بكثافة تعبيرية لافتة. 

المراجع: