اختلف الفقهاء والمفسرين في كيفية الهجر وقبل عرض الأقوال المختلفة في الهجر يمكن عرض القول الراجح حيث يكون الهجر بالقدر الأخف الذي يحقق منه قصد إصلاح الزوجة وإعادتها إلى الحق، فالهجر مختلف باختلاف النساء والأحوال، ولا يكون بترك الزوج للمنزل ويحدد القدر حسب الأقوال التالية:
القول الأول:إن الهجر يكون بترك جماع الزوجة ولا يهجر الزوج الزوجة في الفراش فالهجر للجماع فقط وقال به سعيد بن المسيب وابن عباس وابن أبي طلحة وابن جبير وذكره الشافعية والحنابلة، واستدل أصحاب هذا القول بقوله تعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع).
القول الثاني:يكون الهجر بترك الجماع وهجر الفراش وقال به الحسن وقسم ومجاهد، والنخعي، والعباس والحسن البصري، وقتادة، وسعيد بن المسيب، وجمهور فقهاء المالكية، واستدل أصحاب هذا القول بأدلة وهي:
- قوله تعالى (واهجروهن في المضاجع)، فالله أضاف الهجر إلى المضاجع وقال مقسم: هجرها في مضجعها أي أن لا يقرب فراشها، أي اهجروا حجرهن ومكان مبيتهن.
- قول رسول الله: فإن خفتم نشوزهن فاهجروهن في المضاجع؛ واستدل حماد على المعنى بأنه النكاح.
- عن عمر بن عبد العزيز كان له نساء فكان يغاضب بعضهن فإذا كانت ليلتها يفرش في حجرتها وتبيت هي في بيتها.
القول الثالث:الهجر يكون بترك الكلام مع الزوجة ولا بترك الجماع أو الفراش وقال به عكرمة والضحاك، والثوري، ومذهب الحنفية، واستدل الحنفية ومن معهم على قولهم بأن القول بهجر الجماع يؤدي إلى الضرر بالعلاقة الزوجية وهو سبب للضرر بالزوج أيضًا وليس فقط الزوجة.، ويرد على المذهب الحنفي من باب النقد إن الهجر في المضاجع جائز بدليل فعل الرسول الذي فسر الآية الهجر في المضاجع، وأن ترك الكلام مع الزوجة سبب في أن يزيد إصرارها على الخطأ ويقلل فرص الاتعاظ والتوجيه.
القول الرابع:يكون الهجر عن طريق الكلام مع الزوجة بغلظة وبقسوة، ولا يترك جماعها ولا فراشها ولا مطلق كلامها، واستدل ابن عباس والحسن والعكرمة في هذا القول بأن من معاني الهجر الكلام القبيح فيكون بمعنى غلظوا القول، ومن ينتقد هذا القول يرد بأن الله تعالى حرم الكلام الفاحش فقال تعالى: (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، فالله رفع الكلام الفاحش عن الأمة التي زنت وهو من صور التعزيز فكيف يجوز الأمر مع المرأة الناشز.
القول الخامس:الهجر يكون بربط الزوجة في المنزل لأن من معاني الهجر الربط وقال به الجصاص في أحكام القرآن والطبري في تفسيره، واستدل أصحاب هذا القول:(واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع) قال الطبري فإن أبين الأوبة ومن نشوزهن فاستوثقوا منهن رباطًا في مضاجعن يعني في منازلهن.
روى الإمام مالك أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها امرأة الزبير بن العوام كانت تخرج حتى عوتب في ذلك قال وعوتب عليها وعلى ضرتها فعقد شعر واحدة بالأخرى وضربها ضربًا شديدًا فشكت أسماء إلى أبيها أبي بكر فقال بنية اصبري فإن الزبير رجل صالح ولعله أن يكون زوجك في الجنة، وجه الاستدلال أن الزبير بما قام به من فعل هو الربط لتنفيذ معنى الهجر. ويرد على هذا الأثر، أن الحديث غريب ولم يحدث عن الزبير بن العوام وإن صح القول فيه فهو فعل خالف فيه الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن ناحية أخرى أن المعنى اللغوي للهجر يدور حول البعد عن الشيء والربط أقل المعاني احتمالًا لمعنى الهجر.
يجب على الزوج أن يبتعد عن التعسف في الهجر حيث لا يقصد إلحاق الضرر بالزوجة، أو أن يحمل في هجره إجبار الزوجة على فعل المعصية، أن يكون في الهجر مفسدة أعظم من السبب المسبب له، إذا لم يكن الهجر له أثر أو نتيجة فلا بد من اللجوء لأسلوب لغير الهجر.
مدة الهجر:
1- القول الأول:للزوج حق في أن يهجر زوجته ما شاء من الوقت طال أم قصر، وقال بهذا القول الحنفية والشافعية والحنابلة.
2- القول الثاني:الأولى بالرجل أن يهجر زوجته مدة شهر واحد ولا يتجاوز به أربعة أشهر وقال بهذا القول المالكية، واستدل بهذا القول ما روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت وهي تعظُ خالد بن سعيد المخزومي وقد بلغها أنه هجر امرأته ليالي: حيث قالت فإنك سمعت ما جعل الله للمولى من الأجل فقد قال تعالى (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، والإيلاء صورة من صور الهجر وهو محدد بأربعة أشهر والزيادة فيه إضرار بالمرأة وتعسف في حقها.
المصدر:
- أحكام الهجر في الفقة الإسلامي