كيف يكون طلب العزة وصرف الذل من الله عز وجل

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
١٦ نوفمبر ٢٠٢٠
قبل ٤ سنوات
العزة لغة
العزة لغة خلاف الذُلِّ. وهو في الأصل: القُوَّة والشِّدَّة والغَلَبَة والرِّفعة والامْتِنَاع.

والعزة كخلق ممدوح خُلُق بين خُلُقين، أحدهما: الكِبْر، والآخر: الذُّل والهَوَان، والنَّفس (إذا انحرفت عن خُلُق العِزَّة -التي وهبها الله للمؤمنين- انحرفت إمَّا إلى كِبْرٍ، وإمَّا إلى ذُّلٍّ. والعِزَّة المحمودة بينهما ) .

ولما كانت العزة الحقيقة لله سبحانه كان طلبها منه سبحانه كما قال الله تعالى ( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ) ( فاطر ،آية 10) ، وقال سبحانه عن المنافقين وطلبهم العزة من غير الله ( أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا )  ( النساء ، 139 )

وطلب العزة من الله يكون بأمور منها :
1- الإيمان بالله وحده وما يتضمنه هذا الإيمان من أعمال القلوب كالخشية والتوكل والإنابة لله وحده  ، والإيمان أن الله وحده مصدر العِزَّة وواهبها. كما قال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26]..
قال ابن القيِّم: (العِزَّة والعُلُوُّ إنَّما هما لأهل الإيمان الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وهو عِلمٌ وعملٌ وحالٌ، قال تعالى: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139]، فللعبد من العُلُوِّ بحسب ما معه من الإيمان، وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8]، فله من العِزَّة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فإذا فاته حظٌّ من العُلُوِّ والعِزَّة، ففي مُقَابَلة ما فاته من حقائق الإيمان، علمًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا) .

2. امتثال أوامر الله واجتناب معاصيه ، فبقدر طاعة العبد لله بقدر ما يعز وبقدر معصيته يحصل له الذل .
كان من دعاء بعض السَّلف: (اللهمَّ أعِزَّني بطاعتك، ولا تذلَّني بمعصيتك)
وقال إبراهيم بن شيبان: (الشَّرَف في التَّواضع. والعِزُّ في التَّقوى. والحرِّية في القناعة)
وقال الحسن البصري : إنهم وإن طقطقت بهم البغال ، وهملجت بهم البراذين ، إن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه .
وقال قتادة: (من كان يريد العِزَّة، فليتعزَّز بطاعة الله تعالى)  .
وكما أنَّ الطَّاعة تكسو الإنسان ثوب العِزَّة، وتَخْلَع عليه ثياب الكرامة، فإنَّ المعصية تكسوه ثياب الذُّلِّ، وتَخْلَع عليه المهَانة والانكسار، (والمعاصي تَسْلُب صاحبها أسماء المدح والشَّرَف والعِزَّة، وتكسوه أسماء الذُّل والذَّمِّ والصَّغار، وشتَّان ما بين الأمرين: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ [السجدة: 18]   .

3- متابعة الرَّسول صلى الله عليه وسلم في هديه، وطاعته في أمره، ولزوم سنَّته، فإنَّه بقدر ذلك تكون عِزَّة العبد في الدُّنْيا، وفلاحه في الآخرة، ودليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عبد الله ابن عمرو أنَّه قال: ((بُعِثْت بالسَّيف بين يدي السَّاعة، وجُعِل رزقي تحت ظلِّ رمحي، وجُعل الذُّل والصَّغار على من خالف أمري)) .
يقول ابن القيِّم: (والمقصود أن بحسب متابعة الرَّسول تكون العِزَّة والكِفَاية والنُّصْرَة، كما أن بحسب متابعته تكون الهداية والفلاح والنَّجاة، فالله - سبحانه - علَّق سعادة الدَّارين بمتابعته، وجعل شقاوة الدَّارين في مخالفته، فلأتباعه الهدى والأمن والفلاح والعِزَّة والكِفَاية والنُّصْرَة والولاية والتَّأييد وطيب العيش في الدُّنْيا والآخرة، ولمخالفيه الذِّلَّة والصَّغار والخوف والضَّلال والخذلان والشَّقاء في الدُّنْيا والآخرة) .

المصدر :
الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي \ ابن القيم 
موقع الدرر السنية (https://dorar.net/akhlaq/947/)