لعلك في لحظة ما أثناء جلوسك لوحدك تفكر بتجارب مررت بها في هذه الحياة وكيف يمكن أن تؤثر على حياتك وقراراتك الحاضرة والمستقبلية. نعم إن لتجاربك السابقة الأثر الأكبر على تصرفاتك وقراراتك التي هي نتيجة صراعك الذاتي الداخلي. وهي تظهر على شكل أفعال جسدية حتى لو كانت على شكل سكون جسدي. وهذا هو تجسد الشخصية الذي يجب على الممثل فهمه وإظهاره لنا ليكون ممثلاً عارفاً لأدوات مهنته وموظفاً إياها بالطريقة الصحيحة.
يبدع الكاتب عندما يخترع لنا شخصية مبتكرة ومميزة في نص مسرحي أو سينمائي ويتبعه المخرج عندما يرسم ملامح الشخصية ويأتي دور الممثل أخيراً بفهم الشخصية وأبعادها المتباينة والتمكن من أدواته.
الممثل الجيد في نظري ليس من يملك الشكل المثالي والجمال كما سادت هذه الفكرة فترة من الفترات في أفلام السينما بسبب بعض المنتجين والمخرجين في وقتها، بل أن الممثل الناجح هو من يستطيع الغوص في أعماق عواطفه واستخراج أثمن وأندر المشاعر ليظهرها لنا مع إدراكه أن مع زيادة مقدرته على استخراج العديد من المشاعر المختلفة يزيد من قدرته على إقناع وإمتاع المشاهد بحقيقة وصدق ما يقدمه له من خلال الشخصية التي يؤديها.
نعم، إن للملامح المميزة والمكياج الصحيح الداعم لمظهر الشخصية الخارجي قدرة على إظهار الشخصية للمشاهد بشكل قوي، لكن البعد النفس/ جسماني أصبح له التأثير الأكبر على المشاهد وزاد لديه الاهتمام بانعكاس الصراعات الداخلية على وجه الممثل، فالاهتمام بالجوهر صار له القيمة الأكبر من المظهر الخارجي فقط.
تتعدد الشخصيات المطروحة في أفلام السينما الحديثة، منها الشخصية الازدواجية مع ما تحمله من تناقضات عديدة في ذات الشخصية، هنا يأتي ذكاء الممثل العارف لأساليبه لإظهار هذه التناقضات والعيوب بمهارة.
على الممثل الناجح أن يمتلك إحساس عالي تجاه الاختلافات المتنوعة في الشخصيات التي تفرضها أفلام السينما والمسرح هذه الأيام، ويعكس احساسه بفن وذكاء على الشاشة والمسرح مع مراعاة الفرق في شدة ودرجة عكس هذه المشاعر الداخلية بين الشاشة وعلى المسرح، وعليه أن يكون جاهز في أي لحظة لاستخراج البعد الباطني للشخصية وفعلها (أن يكون حاضراً) الممثل الناجح برأيي عليه أن يظهر باطن الشخصية التي يؤديها مهما كان معقداً، غريباً، غير مألوف أو حتى متناقضاً بشدة، دون إظهاره بوضوح للمشاهد في نفس الوقت.
يختلف الممثلون بعضهم عن بعض فبعض الممثلين يطلق عليه ممثل الشخصية ويستطيع خلق شخصية جديدة متشكلة من ذاته وذات الشخصية المطلوب تأديتها ليُمتع المشاهد بشخصية يصدقها حتى أنه ينسى شخصية الممثل الأساسية.
هناك ممثل الذات وهذا لا يستطيع الخروج من ذاته كثيرا ولكنه يمتلك حضور جسدي وجمالي وطاقة مميزة تجذب المشاهد وتثيره، إضافةً إلى الممثل الجسدي والممثل الطبيعي.
هل يجب على الممثل أن يكون أكاديمياً حتى يصبح ممثلاً جيداً؟
لا أعتقد ذلك، وقد تعددت الأمثلة لكثير من الفنانين العرب والعالمين الذين أبدعوا في مسيرتهم الفنية وأصبحوا من عمالقة التمثيل وهم لم يدرسوا التمثيل أكاديمياً، لكن وفي نفس الوقت عليك الاجتهاد والبحث والدراسة والتدريب دائماً حتى تصل لدرجة جيدة كممثل، فالتمثيل لا يعتمد على الموهبة فقط إنه ليس بالمهنة السهلة مطلقاً، فالتمثيل من أصعب المهن وأكثرها تحصيلاً للتعب النفسي والجسدي على حد سواء. عليك بالاطلاع على مناهج التمثيل والتدريب لأعظم المخرجين العالمين والمحليين مثل ستانسلافيسكي وبريخت وقراءة المسرحيات لأهم المخرجين المحليين والعالمين أيضاً مثل شكسبير، تشيخوف، موليير، سعد الله ونوس وتوفيق الحكيم.
لكي تصبح ممثلاً جيداً، عليك الإيمان بنفسك وبموهبتك، السعي لتطوير موهبتك بالبحث، الدراسة، التدريب والاطلاع على كل ما يخص هذا المجال، الممثل هو انسان بالدرجة الأولى، حساس، فنان بكل ما تحمله الكلمة، يقوم بتدريب جسده ووجهه وصوته باستمرار، يفهم ويحلل النص والدور الذي سيؤديه، عارف لأدوات مهنته، صادق، مثقف، خياله عظيم.
أداء التمثيل أقدم من الميلاد بحوالي خمسمئة عام، والممثل انسان يسعى للجمال، الحب، النضج، الصفاء، يريد أن يصنع بصمة فيها تغيير نحو الأفضل في مجتمعه من خلال فنه الذي يقدمه لنا.