كيف كانت انطباعاتك وأفكارك عندما شاهدت فيلم الجوكر؟

2 إجابات
profile/جهاد-عواد
جهاد عواد
بكالوريوس في هندسة برمجيات (٢٠١٦-٢٠٢٠)
.
٣٠ أبريل ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
 في رأيي هذا الفيلم كان أكبر خيبة أمل في السنة التي صدر فيها، حيث أنني في كل عام أتذكر أسوأ تجربة سينمائية قد قمت بمشاهدتها، في العام الذي سبق هذا الفيلم كان أسوأ فيلم بالنسبة لي هو فيلم المخرج Luca Guadagnino الذي كان إعادة صناعة لفيلم Suspiria, وفي العام الذي تلاه كان فيلم الجوكر، الذي قام المخرج Todd Phillips بصناعته وإعطاء وجهة نظرة عن الشرير الموجود في عالم Batman, وللأسف بالنسبة لي لم يكن هذا الفيلم هو ما انتظرته بصراحة حيث تم تضخيم التوقعات قبل صدوره من خلال حديث الناس عنها ومن الفييدوهات التشويقية، ولكن للأسف بعد مشاهدتي لهذا الفيلم في السينما ومع أنني شعرت بالمتعة إلا أنه لم يكن بهذه الروعة المنتظرة.

يلعب الممثل Joaquin Phoenix في هذا الفيلم دور شخصية تدعى Arthur Fleck, وهو فاشل وحيد مثير للشفقة في مدينة Gotham, تحديداً في فترة الثمانينات، هذه الشخصية هي شخصية مريض سابق في مصحة نفسية يتم السماح له بالعيش مؤخراً مع أمه المتقدمة في السن Penny (التي تقوم الممثلة Frances Conroy بلعب دور شخصيتها)، في شقتها القديمة، هذه الشخصية تملك مرضاً غريباً يجعله يبدأ في الضحك في مواقف عديدة وأغلبها غير مناسب أبداً، وتقع هذه الشخصية في حب جارتها Sophie (التي تقوم الممثلة Zazie Beetz بلعب دور شخصيتها)، وتحاول هذه الشخصية أيضاً أن تحترف الكوميديا، حيث يظهر هذا من خلال حبه الشديد لمقدم التلفاز Murray Franklin(الذي يقوم الممثل Robert De Niro بلعب دور شخصيته)، ولكنه لا يستطيع الحصول على أي عمل آخر غير عمل المهرج الذي يضع المكياج ويقوم بالتلويح بلافته خارج أحد المحلات، ويتم التنمر عليه وضربه في أحد الأيام من بعض الرجال، وبعد هذا الذل الذي تعرض له بيوم واحد، يحصل أرثر على مسدس ويكتشف أن موهبته الحقيقية لا تكمن في الكوميديا ولكن في العنف.

عناصر التصميم السينيمائي والإنتاج التي قام بها Mark Friedberg في هذا الفيلم عظيمة حقاً، بعض الصور التي تظهر في هذا الفيلم للمدينة بالتحديد تحمل تصويراً سينيمائياً رائعاً قدمه لنا Lawrence Sher, ولا ننسى أن هذا الفيلم يحمل لنا أدائاً عظيما من الممثل Phoenix, مع أنه بالطبع ليس أفضل أداء في مسيرة هذا الممثل، فهذا الدور ليس جيداً في الشكل مثل دوره في فيلم المخرج Paul Thomas Anderson الذي يسمى بـ The Master, هذا الفيلم يقوم بالتركيز على خطة الجوكر في الانتقام في محطة القطار بشكل مبكر في الفيلم، ولعل هذا تعقيب متعمد على حادثة إطلاق نار حصلت في عام 1984, ومع هذا حاول المخرج بشكل كبير أن يجعل هذا الانتقام بعيداً عن العنصرية، بعد هذا المشهد للأسف خسرت اهتمامي بشأن الفيلم، حيث كان ما أتى بعدها مغصوباً بشكل كبير ليجعل شخصية الجوكر شخصية معادية للرأسمالية وكارهاً للأثرياء ويقوم بإطلاق حركات فيها متظاهرون يرتدون مكياج المهرج، وهذا أبعد المشاهدين عن مسيرة الجوكر الأساسية كقاتل متسلسل ومجرم.
 

profile/جابر-حيان
جابر حيّان
كاتب ومحرر ومترجم في مستقل (٢٠٢٠-حالياً)
.
٠٢ فبراير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
يقدّم الثلاثي (تود فيليبس وواكين فينيكس وسكوت سيلفر) رؤيةً جديدةً وأكثر راهنية للجوكر، يبدو فيها عدوّ الرجل الوطواط -الذي لطالما كان مرتبطًا به وظلًا له- قلِقًا وكئيبًا ومُربِكًا ومُفزِعًا وعدميًا- أكثر من أيّ وقتٍ مضى، وذلك عائدٌ إلى واقعيّتها وعفويّتها وانسياب أداء فينيكس وابتعاده عن أي مبالغات لإعطاء الشخصية عمقًا غير أصيل وشرًا مصطنعًا، يضفي عليها بُعدًا كرتونيًا لا تسمح طبيعة العمل به. ولا يحتاج المشاهد لكي يشعر بحضور الجوكر إلى رؤيته بمكياج المُهرّج وملابسه المُلوّنة -التي كانت الأجمل في هذه النسخة-، فواكين فينيكس يظهر بها لفترةٍ محدودة، ومع ذلك ينجح في أن يُغوينا ويثيرنا بكاريزما لا يمكن مقاومتها، ويبرعُ في أن يُرهبنا بجنونه، بتطرّفه الذي كان حتميةً لا مفرّ منها؛ تطرّفٌ خلقه الحرمان والكبت والعنف والتعذيب الأسري والتنمّر والنبذ المجتمعي والتفاوت الطبقي المجنون.

تطرّف الجوكر أو آرثر فليك، وكما كان واضحًا منذ الإعلان الترويجي الأوّل للفيلم، يأخذنا إلى عالم مارتن سكورسيزي، ويُحيلنا مباشرةً إلى فيلم سائق التاكسي (1976)، حيث نرى ترافيس بيكيل وتطرّفه يتصاعد بالتزامن مع عنفٍ وانحطاط وجنون يعمّ شوارع نيويورك، كما يتصاعد تطرّف آرثر فليك ويتفجّر على شكل عنفٍ دموي بالتزامن مع تدهور كل شيء في مدينة غوثام. ويبدو أن شيئًا كبيرًا مهمًأ مشتركًا بين آرثر وترافيس لا يمكن إغفاله وأسهم في تغذية تطرّفهما وصعوده إلى القمة، وهو الكبت الجنسي الذي يظهر جليًا في مشهد السينما في سائق التاكسي، والصور الإباحية في دفتر ملاحظات آرثر في هذا الفيلم. وهنا يبدو منطقيًا استحضار ربط المُحلّل النفسي النمساوي وليم رايش بين صعود الحركات الفاشية إلى السلطة وبين الكبت الجنسي.

 حينَ يرتكب آرثر “جريمته” الأولى، يبدأ بالشعور بكينونته، يدرك أنّه موجودٌ في العالم، وأن الناس بدأت تلاحظ ذلك. وهنا علينا أن نزور سريًعا فيلمًا كان بطله واكين فينيكس، رجل لاعقلاني (2015) إخراج وودي آلِن. حيث يرتكب أستاذ الفلسفة آيب، جريمةً تجعله يشعر بوجوده، وتعطي لحياته معنى، جريمة وجودية، يقف خلفها معنى. تلحقها محاولة أخرى لارتكاب جريمة بلا غاية، إذ تصبح الجريمة حلًا لكل شيء، تمامًا كما حدث مع آرثر بعد جريمته الأولى، حيث يتحوّل القتل من حالة الصلابة إلى السيولة.

 كذلك، لا يمكننا أن ننسى استحضار فيلمين آخرين مهمّين لفهم تحوّل آرثر إلى الجوكر والأحداث التي ساهمت به، وهما أمنية الموت (1974) ومُختّل أميركي (2000)؛ الأوّل يتحوّل بطله إلى نبيٍ للعنف المُضاد مع اختلاف غايته وخلفيّته الاجتماعية، واللحظة التي يُعطي فيها راندال المسدس لآرثر لا يمكن إلا أن تذكّر باللحظة التي تلقّى فيها بول كيرزي مسدسًا هدية من صديقٍ له. أما العمل الثاني، فاستذكاره ضروري لأنّه يتحدّث عن الأثرياء الأميركيين في فترة زمنية ليست بعيدة جدًا عن زمن فيلم الجوكر، وبطله مختلّ، حسود وحقود وشهواني ودموي ومستعدٌ لانتهاك أي شيء لإرضاء نرجسيّته.. والمفارقة أنّ الذي أدّى دور هذا الأميركي الثري المُختلّ هو كريستيان بيل.. بروس واين الخاص بكريستوفر نولان، وفارس الظلام وبطل غوثام الثريّ!

أما عن غوثام الخاصة بتود فيليبس، فهي تبدو سوداويةً وديستوبيةً أكثر من أي وقتٍ مضى، تلك المدينة التي لطالما كان الرجل الوطواط فارسها وحاميها ورمز قوّتها ومنعتها ضد الأعداء الخارجيين والداخليين، غارقةٌ في الظلم والعنف والتفاوت الطبقي. مدينة للأثرياء فقط، وضعٌ مآله المنطقي.. الجنون. وبالرغم من ذلك مطلوبٌ من الناس أن لا يُجنّ جنونهم، وعليهم أن يكونوا ممتنّين وأن يكفّوا عن حسد أولئك الأوفر حظًا وأن ينبذوا الحقد الطبقي جانبًا، وأن يقتنعوا بأنّ ذلك قدرهم وتلك قِسمتهُم، وأن “هذه هي الحياة”!

 هذا الجنون حتمًا سيولّد جنونًا مُضادًا، وإن كانت غوثام في نسخٍ سابقة، سينمائية وتلفزيونية، بحاجة إلى بطلٍ خارق منقذ مؤمنٍ بغوثام وقيم شعبها، فهي في جوكر 2019 بحاجةٍ إلى بطلٍ فعلًا، إلى بطلٍ مجنون لكنّه ليس منقذًا لأي أحد ولا ثائرًا ولا مؤمنًا بأي شيء، ثوريٌ على نحوٍ عدمي -مُذكّرًا بالثائر الروسي سيرغي نيتشاييف والحركة العدمية في روسيا- فجنون الوضع القائم غرس بعمق سيفه المسموم في قلب الإيمان بمفاهيم ليست موجودة إلا في عالم المثل والقيم وهذا العالم ترفٌ لا يمكن للناس توفيره. وإنّها لكوميديا فعلًا أن يُطلب من المُهمّش المضطهد والمعذّب المُستلَب، أن يؤمن بعظمة مدينته الغالية والحبيبة غوثام وأن يحكم عقله ليحافظ عليها وهي ليست له أساسًا، أن يٌحبّها ويحبّ أبطالها المزيّفين وهو يركب مترو العامة فيتعرّض فيه للضرب والاستهزاء والإذلال، والأثرياء يركبون مترو خاصًا بهم، ينعمون فيه بالراحة، لأنّهم يستحقّون هذا الامتياز ولا يجوز مساواتهم بأعضاء المجتمع غير المنتجين.

وهُنا، يظهر الجوكر كمخلّصٍ منتظر، كنبيٍ للجنون والعنف المُضاد لجنون الوضع القائم وعنف السُلطة. بطلٌ من الناس، لا بطلٌ ملياردير، ثروته وفّرت له أدواتٍ وتقنياتٍ سهّلت عليه لعب دور البطولة. يولد بطلٌ من رحم أكثر الأشياء المناقضة للبطولة -والشيء يولّد نقيضه- .. السُلطة؛ سلطة العائلة (ممثلة بأمّه)، وسلطة الطبقة المُهيمِنة وحلفها (ممثلًا بتوماس واين) وأجهزتها الأيديولوجية (يمثّلها موراي فرانكلين).

الدافع وراء بطولة الجوكر هو الوضع القائم المجنون، وليس جريمة قتلٍ أصبحت ذات شأن لأنّها تخص عائلة البطل الخارق والتي لطالما فطرت قلوبنا دون أن نعرف خلفيّتها أو ننظر إليها من زاوية غير تقليدية، لأنّه كان من المُسلَّمات أن بروس واين هو البطل ورمز الخير ومقارعة الشر ومكافحة الفساد! ولأننا لم نسأل أنفسنا مرّة ونحن نشعر بالأسى على يُتم المسكين بروس: كم عدد الأثرياء اللطيفين على أرض الواقع، الذين يشبهون بروس ووالده توماس -أو مثلًا طوني ستارك من عالم مارفل- والذي يقدّم هذا العمل وجهًا مُغايرًا له، ليحطّم وثنَ بطولة آل واين، وليقول لنا: لنتخيّل ولو لمرّة واحدة أن آل واين فاسدون وبغيضون وأنّ الفساد والخراب الذي تغرق فيه غوثام ليس بفعل بضعة فاسدين ورجال عصابات وأعداء خارجيين وأشرار خارقين.. بل بفعلِ الملياردير توماس واين وسائر أعضاء الطبقة المُهيمِنة، بفعل والد ذاك البطل الخارق الذي يستعرض عضلات ثروته لكنّه طيّب القلب، الملياردير فاعل الخير، الذي يحبّ الناس، ومسؤولٌ عن إنقاذهم، لأنّه أعلى مرتبةً منهم ويملك كل شيء وأدرى بمصلحتهم وحريصٌ عليهم أكثر من أنفسهم.