طلبه من الفتاة ذلك دليل على اتصافه بخلق الأمانة والعفة وهو دلالة على الرجولة والمروءة كما كانت الفتاة متصفة بخلق الحياء.
قال تعالى في سورة القصص (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ ...(25)).
فهذه الفتاة وهي إحدى الفتاتين اللتين سقا لهما الغنم جاءته رسولة من عند أبيهما تدعوه إلى منزلهم، وكانت مستحية من ذلك لئلا يظن فيها الريبة إذ تدعوه إلى منزلهم، وهذا من كمال حيائها.
وقد جاء عن عمر رضي الله عنه قال: "جاءت تمشي على استحياء، قائلة بثوبها على وجهها، ليست بسلفع خراجة ولاجة".
فلما مشت أمامه تدله على بيتهم جاءت الريح فضمت قميصها على جسدها فوصفت عجيزتها فاستحى واستحى موسى، فقال لها: أنا أمشي أمامك وأنت دليني على الطريق بصوتك.
وقال بعض المفسرين: بل طلب منها موسى ذلك مباشرة ولم تمش أمامه أصلاً فقال لها: إني رجل عبراني لا أنظر في أدبار النساء، فدليني على الطريق بصوتك يميناً أو يساراً.
وكان هذا الخلق من موسى عليه السلام سبب وصفها له بالأمانة، فإنها لما رأته كيف حافظ على عرضها ولم تسمح له نفسه أن يخونها وينظر إليها ولو من دون قصد وهو على هذه الحالة من الفقر والغربة بعد وصوله قرية مدين، بل حرص على غض بصره، دل ذلك على أمانته على الأموال وغير ذلك، فوصفته أمام أبيها بالأمانة.
وهذا الفعل كما دل على أمانته عليه السلام فقد دل على عفته وطهره، حيث لم تدعوه نفسه إلى النظر المحرم وهو غريب في تلك الديار لا يعلم به أحد، بل حرص على طاعة ربه وغض بصره وصرف شهوته، فكانت الثمرة أن أبدله الله بهذه الطاعة أن صارت هذه الفتاة زوجته بالحلال،
وفي هذا درس وعبرة لكل مسلم أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وأن العفة والأمانة هي مفتاح كل خير وبركة.
والله أعلم