لا شك أن استمرار إمداد العالم بالطاقة اليوم هو الشغل الشاغل لكل الدول، حيث تتمحور سيادة كل دولة على أمنها الاستراتيجي من خلال الحفاظ على ديمومة مستقرة من إنتاج الطاقة تُغطي احتياجاتها. وكذلك تعمل الدول على جذب استثمارات في مجالات توليد الطاقة مما يفتح الحركة أمام الاستيراد والتصدير لرفد الاقتصاد.
يتم إنتاج الطاقة الكهربائية إما من مصادر تقليدية تعتمد في الأساس على الوقود الأحفوري مثل محطات توليد الطاقة، والوقود النووي مثل المفاعلات في محطات الطاقة النووية، ودخلت على الساحة الطاقة المتجددة الخضراء أو الطاقة النظيفة لتقدم كهرباء من مصادر مستدامة دون الإضرار بالبيئة.
هل تتذكر مبدأ حفظ الطاقة في مبحث العلوم؟
نعم المبدأ الكوني الذي لا يتغير القائل أن الطاقة لا تُفنى ولا تستحدث وإنما تتحول من شكل لآخر. وأشكال الطاقة الرئيسية التي نلاحظ تحولاتها في محطات الطاقة هي:
- الطاقة الحرارية
- الطاقة الحركية (الميكانيكية)
- الطاقة النووية
- الطاقة الكهربائية
وما يحصل في محطات توليد الكهرباء هو سيمفونية تجمع تلك الأشكال، حيث يتم إنتاج طاقة حرارية للحصول على البخار مثلا الذي بدوره يدخل على التوربين وهو جهاز ميكانيكي دوار يحوي عدد من الشفرات مثل المراوح على مراحل. يقوم البخار ذو الضغط الهائل والحرارة العالية بتدوير شفرات التوربين حيث نحصل على طاقة حركية. التوربين مرتبط في مولد كهربائي يصل الطاقة الحركية إليه وعند تدوير جزء داخل ملف مغناطيسي على ماذا نحصل؟ على التيار الكهربائي وتعيد الدورة نفسها في كل مرة.
ذكرنا من قبل التوربين البخاري الذي يعمل بواسطة البخار، أيضاً يوجد توربين غازي حيث يعتمد على الوقود وتتم عملية الاحتراق داخله (هذا النوع مثل محركات الطائرات النفاثة أيضاً) ويوجد محطات تعتمد على الاثنين معاً حيث تكون دورة الطاقة مدمجة بينهم.
نعود الآن ونتساءل من أين جاءت الحرارة في المقام الأول؟
تأتي الحرارة نتيجة حرق الوقود الأحفوري بشكل مباشر داخل بويلرات يمر فيها الماء للحصول على البخار كما في حالة المحطات التقليدية. وفي حالة المحطات النووية نحصل على الحرارة من خلال التفاعل النووي في نواة المفاعل الذي يحوي مادة اليورانيوم المشعة التي تولد حرارة هائلة تنتج بخاراً عالي الضغط عندما يمر الماء من خلاله.
في كلا الحالتين عندما يخرج البخار من التوربين يذهب إلى أبراج التبريد ليبرد ويتكاثف ويعود جزء منه إلى ماء.. وهكذا تعيد الدورة المغلقة نفسها.
إن الاستمرار في حرق الوقود وبما يسبب من عواقب بيئية وخيمة واستنزاف موارد الأرض جعل الإنسان يبحث عن موارد جديدة ومنها كان استغلال ظواهر الطبيعة المتجددة للحصول على طاقة نظيفة مستدامة لا تنفذ ومنها:
- الطاقة الشمسية. (استخدام ألواح من مواد شبه موصلة مثل السيليكون الذي يحول فوتونات ضوء الشمس إلى طاقة)
- طاقة الرياح. (استغلال طاقة الرياح الحركية في تحريك مراوح تحرك بدورها مولد كهربائي)
- طاقة السدود. (استغلال طاقة الوضع للمياه المندفعة أسفل السد في تحريك توربينات مائية تحرك بدورها مولد كهربائي)
- الطاقة الجوفية في باطن الأرض. (الحفر على أعماق عميقة جدا لاستغلال حرارة جوف الأرض في تسخين المياه إلى بخار واستخدامه في مراحل توليد الطاقة.
يتجه العالم اليوم نحو المستقبل للطرق المستدامة في توليد الطاقة الكهربائية والتقليل قدر الإمكان من حرق الوقود الأحفوري وحتى أيضاً إلغاء العمل بالطاقة النووية لأنها تنتج نفايات نووية وإشعاعية ضارة.
بدأنا نجني ثمار تهور الإنسان واستخفافه في البيئة الذي لم يتوقف عن استنزافها فقد ظهرت مشكلات مناخية نحس بتأثيرها سواء في الطقس أو في جودة الهواء الذي نتنفسه وتزايد أمراض الربو والرئة بشكل أساسي.
دفع كل هذا الشركات البترولية إلى إعادة النظر في سياستها فيما يتعلق باستخراج البترول وتكريره وفي تطوير هذه الصناعة لضمان الحفاظ على تشغيلها وعلى نسبة انبعاثات أقل ومعقولة. القطاعات التي لا بد من استعمال الوقود تتجه للغاز المسال الأكثر نظافة في الاحتراق وفي استخدام أنظمة فلترة متطورة يتم تركيبها على المداخن لتقليل الانبعاثات كما يوجد مصانع تقوم بتخزين انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ومعالجتها.
قطاع النقل يشهد الآن وسيشهد في المستقبل القريب تغيير جذري على نوعية المحركات المستخدمة واستبدال محرك الاحتراق الداخلي التقليدي الى الكهربائي أو الهجين.... ولا يمكن القول أن تلك السيارات صديقة للبيئة إلا إذا تم شحن بطارياتها من مصادر نظيفة للطاقة.
تم العمل من قبل ويتم العمل الآن بشكل مكثف على تمويل وتنمية وتشييد مشاريع الطاقة المتجددة حول الكوكب تحديداً طاقة الشمس والرياح لتكون المصدر الآمن من شبكة إمداد الطاقة.. دول أوروبية عديدة تتبنى هذا النهج وتنوي وقف كل استعمال للوقود الأحفوري في نهاية العقد القادم.
هل ترى كل تلك المباني الشاهقة ذات الواجهات الزجاجية؟ ماذا لو تم تطوير نوع من الزجاج مع إضافة خصائص اللوح الشمسي لنحصل على لوح زجاجي قادر على إنتاج الكهرباء عند تركيبه على المبنى!! تم عمل نماذج عديدة لاستغلال واجهة المبنى دون تشويهه بمنظر الألواح الشمسية التقليدية.
حتى النفايات يتم استغلالها من خلال استخراج غاز الميثان الناتج من تحلل المواد العضوية فيها، وهذا غاز قابل للاحتراق وإنتاج الطاقة مثلا في المزارع الكبيرة وفي مكبات النفايات.
وحركة الأمواج تحديداً المد والجزر على طول الساحل يمكن استغلالها أيضاً من خلال تثبيت توربينات أسفل القاع، وهذه التوربيات لها أشكال وأنواع مختلفة.. وهذا بشأنه يسمح بتحويل طاقة الأمواج الحركية إلى حركة ميكانيكية يتم ربطها بمولد كهربائي لتعطينا كهرباء نظيفة من قاع البحر.
العلم يتقدم والدول الناجحة هي التي تستبق الأمور وتعمل على البحث والتطوير لضمان ديمومة مستقبلها من الطاقة. كما أن مشكلة جديدة بدأت بالظهور وهي ماذا سوف نفعل إذا كان لدينا فائض من الطاقة؟ في حقيقة الأمر مشكلة تخزين الطاقة هي التحدي الأكبر حالياً وتسعى الشركات المهتمة في تطوير البطاريات إلى سد هذه الثغرة. لا يمكنك الاعتماد على مظاهر الطبيعة كلياً أليس كذلك!