كان هذا الوباء هو الوباء الأشد فتكًا وضراوةً في تاريخ البشرية، حيث حصد حوالي 50 مليون شخص. وبالرغم من تعدد أنواع الإنفلونزا التي اجتاحت في أعوامٍ مختلفة، إلا أن هذا الوباء كان الأعظم. حصدت الإنفلونزا الأسيوية عام 1957 أرواح مليوني مصاب، وكذلك فعلت إنفلونزا هونغ كونغ عام 1968،بينما قتلت إنفلونزا الخنازير600 ألف شخص وكان ذلك عام 2009.
من أحد هذه الأسباب التي أدت لتفشي هذا الوباء، عدم توفر المضادات الحيوية في ذلك الوقت، بالإضافة إلى تردي الأحوال المعيشية في تلك الفترة، وقلة الرعاية الصحية وضعف البُنى التحتية والتجهيزات الطبية، وقلة عدد المستشفيات والأطباء والممرضين. كما ازدادت أعداد الوفيات بسبب بدأ الحرب العالمية الأولى، إذ كثرت الإصابات في صفوف الجنود بسبب تواجدهم معًا وخاصة في الخنادق. وتفاقمت الإصابات بسبب وجود الناس في بيئات مغلقة ومكتظة، مع وجود العادات الصحية والاجتماعية الخاطئة، منها الذهاب إلى المناسبات الاجتماعية والذهاب إلى المدارس، مما أدى إلى حظر بعض السلطات لاجتماعات المواطنين وتم إغلاق المدارس لكن دون جدوى.
لقد كان فيروس الإنفلونزا الإسبانية شرسًا، إذ كان قادرًا على التكاثر بسرعة كبيرة، واستطاع حث استجابة مناعية مفرطة ونشيطة تدعى " عاصفة السيتوكين". مما أدى لإطلاق كميات كبيرة من الأجسام والخلايا المناعية التي هاجمت الجسم نفسه، فأحدثت التهابات حادة وخزنت السوائل في الرئتين، الأمر الذي أدى لحدوث إلتهاب الرئتين، بسبب حدوث عدوى بكتيرية ثانوية.
اعتقد العلماء أن فيروس الإنفلونزا الإسبانية ناتج عن تحور فيروس أصاب الطيور وهاجم الجسم البشري، وبما أن هذا الجسم لم يستطع التعرف على الفيروس لعدم الإصابة به مسبقًا، وأن الفيروس نفسه لم يتأقلم مع جسم مضيفه، فبقي به لمدة ا
أطول ولم يقتله، حتى يستطيع الانتقال عبر الرذاذ أو العطاس. لذلك استطاع البقاء لوقت أكبر في جسم المضيف ليعبر إلى أجسام مضيفة أخرى. يقول العالم باركلاي: "لا يريد الفيروس أن يقتل المضيف فور الدخول إلى جسمه، لأن هذا سيقلل من فرصه في الانتقال لمضيف آخر".
إن تحوّر الفيروس لسلالة أخرى بسبب العدوى الثانوية قد فاق التوقعات، فالسلالة المتحورة كانت قادرة على الفتك بالمصابين من ذوي البنية القوية في غضون 24 ساعة من ظهور الأعراض الأولية عليها. كما أن رفض بعض الدول لتطبيق الحجر الصحي مثل بريطانيا لحاجتها للعمال لتصنيع الأسلحة، أدى لتعاظم حالات الوفاة فيها. وفي أمريكا رفض الصليب الأحمر الاستعانة بالممرضات السود بسبب سياسة التمييز العنصري بالرغم من وجود نقص حاد في الكادر التمريضي.
وساء الوضع أكثر بسبب الدول المتحاربة، التي حاولت طمس الحقائق، وإخفاء عدد الإصابات فيها، كما أن الاتهامات فيما بينها بمحاولة نقل الفيروس بطرق او اخرى لجاراتها، والدعايات السياسية جعلت الشعوب تفقد الثقة بحكوماتها، فامتنعوا عن الذهاب للمستشفيات والأطباء خوفًا من قتلهم. بالإضافة لاستعانة الناس بالشعوذة والخرافات والوصفات الشعبية الموروثة، الأمر الذي ساعد على تفشي هذا الوباء بشكل لا منهجي. كما أن انتشار أمراض معدية أخرى مثل السل والتيفوس والجدري أدى لعدوى بكتيرية ثانوية في المخيمات والخنادق والأماكن المكتظة مثل أماكن الاحتجاز.
يبدو أن تعاضد العديد من العوامل هو الذي ساهم وبقوة في تفشي وباء فيروس الإنفلونزا الإسبانية. مع العلم أن هذه الإنفلونزا لم تنشأ في اسبانيا، وقد أخذت هذا اللقب بسبب اهتمام وسائل الإعلام الإسبانية بتناقل آخر الأخبار عنها، حيث كانت هذه الوسائل محايدة وصادقة في نقل الأخبار، عكس دول الحلفاء ودول المركز التي تسترت على المرض، حتى لا يفقد جنودها روح القتال المعنوية.ر يُعتقد أن بداية هذا الفيروس من فرنسا، ثم انتقل بسرعة إلى الدول الأخرى بسبب حالات النزوح والهجرة بسبب الحرب العالمية الأولى، والتي كانت سببًا آخر في نقل الفيروس إلى دول ولربما قارات أخرى.
المراجع: