كيف تتعامل مع القلق والاكتئاب والملل الناتج عن الحجر الصحي؟

1 إجابات
profile/ميس-نبيل-طمليه
ميس نبيل طمليه
كاتبة في مجال تطوير الذات الذكاء العاطفي في عدة مواقع إلكترونية (٢٠٠٧-حالياً)
.
٢٠ فبراير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
قبل حوالي 4 أشهر أصيبت معلمة ابن أختي بفيروس كورونا، وكانت هذه المعلمة تقضي في منزلنا حوالي 8 ساعات يومياً لتدريب ابن أختي عمر الذي يعاني من ضمور في الدماغ، وعندما أخبرتنا بأن نتيجة فحص الكورونا الذي خضعت له إيجابية لم نصدق الأمر، فنحن حريصون كل الحرص على تقوية مناعتنا واتباعنا للإجراءات الوقائية الصارمة من تعقيم كل شيء حتى الأغراض التي نشتريها من السوق، ونخلع أحذيتنا خارج المنزل ولا نختلط بأحد، فلدينا طفل صغير مريض كما أن والدي كبيران في السن ويعانيان من أمراض عدة ونخاف عليهما من العدوى!

فور علمنا بإصابتها قمنا فوراً بشراء 4 أنواع مختلفة من أجهزة التعقيم وعقمنا كل سنتمتر من المنزل، وأتلفنا الكثير من المقتنيات التي كانت تستخدمها، وعزلنا أنفسنا تماماً، وكنا نعد الأيام ونفرح كلما ينقضي يوم دون أن يصاب أحدنا بالأعراض، وعندما أجرينا فحص الكورونا كانت نتيجتنا سلبية، ولكنني في اليوم الـ 11 من إصابتها فقدت حاستي الشم والتذوق فجأة وبدت تظهر علي أعراض تشبه أعراض الانفلونزا الخفيفة فقلت لأهلي أنني متأكدة من إصابتي على الرغم من أن نتيجة فحصي كانت ما تزال سلبية، فطلبت من زوج أختي أن يأخذ أختي وأطفالها ويعودوا لدبي في هذه الفترة ليبتعدوا عنا حتى لا يصاب أحد الصغار بالفيروس وخاصة عمر الذي خالطني وخالط معلمته! وعزلت نفسي في غرفتي لـ 15 يوماً بعد أن كلمت طبيبين أعرفهما لأخبرهما ما حدث، فأكد لي كلاهما أنني مصابة بغض النظر عن النتيجة لأن هناك نسبة خطأ كبيرة في الفحص.

لا أخفيك أنها كانت من أصعب أيام حياتي، ولكنها علتني الكثير الكثير... كنت أشعر بالضيق والوحدة والقلق الشديد على من حولي، وأدعو الله ليل نهار ألا يصاب أحد من أسرتي بالعدوى، وكنت أطمئن عليهم واحداً واحداً من خلال الهاتف كل ساعتين تقريباً، وكان يقف قلبي عندما أسمع أحدهم قد عطس أو سعل فأتصل لأتأكد أن كل شيء على ما يرام وأطلب من أخي أن يحلف لي كل يوم أن الجميع بخير وخاصة عمر الذي كنت أتقطع خوفاً عليه من الإصابة، كما كنت حزينة جداً لأن رحلة علاجه الشاقة قد قطعت بعد أن قطع فيها شوطاً لا بأس به.

استمريت في البكاء والحزن الشديد وإنكار الموضوع حوالي يومين، ثم قررت أن أخرج من هذا الوضع وأن أساعد نفسي وأساعد الناس المصابين كذلك؛ فبدأت أبحث عن كل ما يمكن أن يفيدني، فقرأت كتاب "جنة الأعشاب" لخبير الأعشاب حسن خليفة الذي كنت قد اشتريته قبل فترة ولم أتمكن من قراءته، واستفدت من المعلومات الطبية الموجودة فيه، وحضرت الكثير من الفيديوهات التوعوية وقرأت المزيد من الأبحاث التي أجريت حول هذا الموضوع، فتعملت طريقة التنفس الصحيح وطريقة إخراج السموم من الرئتين دون طبيب وعلمتها لأهلي وأرسلتها برسائل للأقارب والأصدقاء ليستفيدوا منها وليطبقوها لحماية أنفسهم من خطر الفيروس أو على الأقل لحماية الرئتين من الضرر في حال الإصابة لا سمح الله، وكنت أتصل بوالدتي كل فترة لأتأكد أنها طبقتها.

ثم بدأت أبحث عن الناس المصابين بالفيروس لأقدم لهم الدعم المعنوي، ولأخبرهم بكل ما تعلمت من خلطات علاجية وطريقة التنفس الصحيحة وطريق إخراج سموم الرئتين... فوجدت أكثر من شخص قد أعلن عن إصابته بالفيروس على groups الفيسبوك، فكنت أسارع لأرسل لهم الرسائل لرفع معنوياتهم، حتى قالت لي سيدة أنني السبب في نجاتها من الفيروس برفعي لمعنوياتها ولمشاركتي لها خبرتي في كيفية العناية بصحتها وعزل نفسها عن أفراد أسرتها بشكل صحيح. فكنت أشعر بتحسن كلما ساعدت شخصاً مصاباً.

كما استغليت هذه الفترة بقراءة الكتب والتقرب إلى الله بالأدعية والتأمل، والتسجيل في دورات عبر الإنترنت، كما أسست لمشروعي الخاص الذي أنوي البدء فيه قريباً بإذن الله.

لكني لا أنسى صوت بكاء أمي عند الباب عندما كانت تأتي خلسة للاطمئان علي، ولا أنسى رسائل الدعم التي كانت ترسلها لي يومياً عبر الواتساب وكأنني أعيش في غربة، كما أن عمتي كانت تتصل بي مرتين يومياً للاطمئنان علي وشحني بالإيجابية التي كنت أفتقدها في أيام حجري الصحي الأولى. ولا أنسى زجاجات العطر التي كنت أضعها بجانبي لأستنشقها في كل لحظة أملاً أن تكون حاسة الشم قد عادت لي، ولا أنسى عجلة الهيلاهوب التي كانت رفيقتي في حجري الصحي رغم ضيق المساحة، ولا أنسىى "نومة الأرض" فكنت أصر على النوم على فرشة على الأرض حتى لا ينتقل الفيروس للسرير الذي سأنام عليه عندما أتعافى وينام بجانبي عمر الذي أخاف عليه من بقايا الفيروس.

كنت أستيقظ فجراً لأتوضأ وأصلي ثم أجلس لأدعو الله قليلاً ولأفضفض له، ومن ثم أرتدي الكمامة والقفازات وأحمل معي المعقم لأتوجه للشرفة لأقف قليلاً في الشمس وأهلي نيام، حتى أنني لم أكن أجلس حتى لا تكون ملابسي محملة بالفيروس وأتسبب بنقله لأحد، وكنت عندما أدخل أرش مقبض الباب والأرض التي مشيت عليها وكل شيء من شدة خوفي على أفراد أسرتي... فخوفي هذا قد أنساني التعب الذي عانيت منه بسبب الكورونا وخاصة أنني أعاني من الربو أيضاً.

في أيام الحجر الأخيرة قمت بالرسم على جدران غرفتي بالألوان الزيتية وغيرت ديكوراتها لأجدد نفسيتي، ثم تكلمت مع طبيبي الذي قال لي أن بإمكاني فك الحجر الآن بعد أن تعافيت تماماً وعادت لي حواسي، ولكنني آثرت أن أقضي يومين آخرين للاحتياط... قبل أن أنطلق لوسط البلد لأتنفس هواء عمان الحقيقي هناك.

أستطيع أن أقول أنني استطعت أن أتغلب على الاكتئاب والألم والقلق الذين كنت أعاني منهم، ولكنني كنت أتمنى لو كان بيدي مساعدة أختي التي كانت تتصل بي من دبي وهي تحمل نفسها الذنب في مرضي لأن معلمة ابنها هي السبب، وأمي التي كانت لا تستطيع النوم وهي تسمع صوت سعالي ونفسي الضيق من باب الغرفة وتكاد تدخل علي أكثر من مرة ولكن والدي وأخي كانا يمنعانها... كنت أحياناً أتظاهر بأنني بخير وأطلب من والدتي أن تتصل بي عبر سكايب لأشاهد معها مسلسل عروس بيروت لأونسها وأشعرها أنني بخير، وكنت عندما أشعر بضيق النفس أو الرغبة بالسعال أكتم الصوت حتى لا تقلق علي.

أعتقد أنني مررت بتجربة لن أنساها في حياتي، وأنني تعلمت الكثير منها بالرغم من مرارة طعمها، فكما كنت أقول لأهلي لأواسيهم "أصلاً مش حلو يكون العالم كله عم بحكي عن إشي وإنت ما جربته... هيك أحلى هيني جربت وعرفت شو هي الكورونا جد".