بداية، يجب معرفة أن الشجار بين الأطفال أمر طبيعي تماما، أما الهدوء والسكينة بين الأطفال، فهما الأمر الغير طبيعي بين الصغار. ولأن الأولاد بطبيعتهم يتحركون ويعبثون ويلعبون، يمكن النظر إلى الشجار بين الأطفال على أنه نوع من الألعاب، ومن المهارات التي يمارسها الأولاد مع بعضهما البعض، كالإخوة أو الأقارب، وهو في حقيقة الأمر شيء جيد لهم، فشجار الأطفال يقوي شخصيتهم، ويجعلهم متفاعلين مع البيئة من حولهم، ويجب عدم التعامل مع الأطفال المتشاجرين على أنهم أطفال غير مؤدبين، أما هذا الأمر إذا زاد عن النسبة الطبيعية المعقولة، يصبح الأمر مرضيا وبحاجة العلاج، أو مشكلة تحتاج إلى حل.
وقد تسألني، كيف نعرف أن موضوع الشجار عند الأطفال زاد عن الحد الطبيعي؟ وما هو الضابط للأمر الطبيعي؟
أجيبك بأن الضابط هو الشجار العنيف بالأيدي، فلو كان ضربا شديدا قاسيا قويا، مؤذيا فيما بين الأولاد، فهذا يعد أمرا غير طبيعيا. كذلك إذا وصل الأمر إلى الشتم بالألفاظ النابية والسباب، فهم بذلك خرجوا عن الشجار الطبيعي، ويحتاج الموضوع إلى تدخل الأهل، وهنا يلزم دراسة هذه الظاهرة وأسبابها.
دائما إذا عرفنا الأسباب، نتمكن من علاجها، لأن الأسباب هي التي تؤدي إلى تلك النتائج. وتاليا سأذكر بعض أسباب الشجار بين الأطفال:
أولا: التنافس على المقتنيات أو الألعاب، فلو عندهم بعض الألعاب القليلة، ويتنافسون فيما بينهم عليها، فيجب علينا كأهل أن نقوم بتوزيع هذه المقتنيات بينهم.
ثانيا: ميل الأهل نحو بعض الأولاد، سواء كان ذلك في المحبة أو العطاء أو إظهار العاطفة أو حتى بالكلام، فهذا الطفل يدلل وذاك لا يدلل، هذا يغمر بالحب والعطاء والزيارات فتأخذه الأم أينما ذهبت، الطفل الآخر لا يلقى نفس المعاملة، فإن أموراً كهذه تؤدي إلى التحاسد ما بين الأولاد، كما حصل في قصة يوسف عليه السلام، فمحور القصة كان ميلان قلب سيدنا يعقوب إلى يوسف دونا عن إخوته، مما ولد الحسد بينهم فألقوه في البئر ليتخلصوا منه.
إن ميلان القلب أمر طبيعي، فإن تميل إلى طفل أكثر من آخر أمر عادي، إلا أننا مكلفون بالظاهر منا، لذا علينا أن لا نظهره ولا نتكلم فيه، فالأولاد عموما أذكياء، فلو همست همسة بهذا الكلام إلى أمه، فإنه يسمع ويفهم، وهما يحصل التحاسد الذي يؤدي إلى الشجار.
ثالثا: يتشاجر الأطفال بسبب الأهل، فالأهل أحيانا يضغطون على أحد الأولاد، فيصاب الطفل بالكبت والضغط والحسرة، ويقوم بتفريغ ما فيه من مشاعر في الأطفال الآخرين عن طريق مشاجرتهم.
رابعا: إعطاء الطفل الذكر سلطة غير محدودة، وهو أمر موجود في المجتمعات الشرقية، فيصبح الطفل يمارس سلطة على الأطفال الآخرين. ولا بأس من أن يعتمد الأهل على الطفل الأكبر أو الطفلة الكبرى في المساعدة، لكن يجب أن تكون هذه المساعدة جزئية ومحدودة ومراقبة من قبل الأهل، لا أن نجعل الأخ الكبير هو أب، بشرط أن لا يسيء ولا يتعسف في استعمال هذا الحق، فإذا ما بدأ الطفل في المبالغة، ويظلم باقي الأطفال ويتعدى عليهم، هنا يجب أن يتدخل الأهل ويفهموه أن هذا ممنوعا.
خامسا: الجو المشحون في البيت، فالأب دائما غاضب ويصرخ ويضرب، والأم كذلك دائما غاضبة، فإن ذلك يؤثر على هدوء وسكينة الأولاد، فيجعلهم جاهزون للشجار فيما بينهم، فالأب والأم هما قدوة لأبنائهم، فإذا كان الأب دائم الشجار مع الأم والأم ترفع صوتها ولا تحترم الأب، فمن المؤكد أن هذا الأمر سينعكس على سلوك الأطفال وعلى تقليدهم لأهلهم. كذلك الأجواء السلبية في البيت وعدم المرح، وقلة البهجة في البيت، وعدم مشاركة أفراد العائلة في المناسبات السعيدة وفي الإجازات والأعياد كلها أمور تسبب عدم كسر الروتين في البيت، فيبقى جوهم مشحونا ومضغوطا دون تفريغ للطاقة السلبية لدى الأولاد ولا الأهل.
سادسا: العامل المادي، فضيق الحال والوضع الاقتصادي السيء للأهل ووجود عدة أطفال في دائرة أو غرفة واحدة ضيقة، يسبب شجار الأطفال مع بعض، ونحن لا نستطيع توسعة مساحة بيوتنا، لذلك عالاقل يجب أن نسمح للأولاد بأن يتوزعوا، فلا بأس من دخولهم غرفة الأم والأب، في سبيل توزيع الضغط قليلا. أو أن نسمح لهم الخروج واللعب في الحديقة العامة المجاورة للمنزل، أو إلى ساحات اللعب الأمينة للأطفال ليفرقوا قليلا من هذا الشحن المتراكم فيهم. فبعض الأهل لا يسمحون لأبنائهم الخروج بحجة أنهم يخافون على الأطفال، لذا لا بأس من أن يقوم الأب أو الأم بالخروج مع الأطفال قليلا أو الأخ الأكبر، فكل مشكلة ولها حل.
إذا ما هو العلاج؟ وكيف نسيطر على الطفل الذي يتعمد افتعال الشجار مع أقرانه الأطفال؟
أنا سأعطيك الحل الأمثل، وجربوه. في حال قام طفل بالمشاجرة أكثر من مرة وبطريقة مؤذية للأطفال الآخرين، فيجب على الأهل أن يتصرفوا، وأن يجلسوا معه ويتحدثوا إليه، فإن لم يجد الحديث معه نفعا، فهناك عقاب رائع لهذا الحالة، وهو في واقع الأمر عقاب بعيد عن العنف أو الضرب أو غيره من أدوات العقاب الغير فعالة، وهو معروف عند الأجانب أكثر من العرب، وتستخدمه معلمات الروضات ومعلمو المدارس في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، ويكمن العقاب في استخدام ركن العقاب.
ركن العقاب عبارة عن منطقة أو مساحة معينة، يتم تحديدها في البيت، كزاوية غرفة الجلوس مثلا، ومن يقوم بافتعال الشجارات أو المشاكل، عليه أن يواجه العقاب بالمكوث في هذا الركن العقابي، فيجلس فيه لمدة معينة يحددها الأب، ويمنع الطفل من إكمال اللعب والتفاعل مع باقي الأطفال إلى أن تنتهي هذه المدة.
بهذه الطريقة نحن نمنح الطفل فترة ليفكر في خطأه، ويشعر بمرارة منعه من اللعب والحركة، وتعليمه أن سلوكه كان خاطئا، وبعد انتهاء المدة المحددة، يتم مناقشة الطفل في خطأه وسبب عقابه، وقيامه بالاعتذار عما بدر منه.
هذه الطريقة التأديبية فعاله، ليس فيها ضرب جسدي ولا أذى نفسي ولا صراخ ولا شتم، كما أنها تجعلهم يسلكون السلوك الصحيح لأنهم يريدون تجنب تكرار تجربة الانعزال في الركن العقابي، وهو أسلوب يعدل سلوك الأطفال إلى الأحسن في فترة قصيرة، لأننا نجعلهم يراجعون أنفسهم، ويعترفون بخطأهم فلا يعودون ويكررونه مرة أخرى. بعكس الضرب الذي في بعض الأحيان يجعل الطفل يتحول إلى شخصية مستفزة يود اختبار صبر أهله فيكرر الخطأ من باب التحدي، وليثبت للآخرين أن الضرب لن يردعه ولن يضعفه.