إن الوعي كما عرفه ديكارت هو الحقيقة الموجودة في داخلنا والتي لا شك ولا جدال فيها. ومن الأمور الغريبة والمثيرة للجدل والتي ظهرت مأخرًا كانت تنادي بتكذيب حقيقة الوعي، أي أن افتراض عدم وجود الوعي هو أمر يحمله بعض الناس حقًا في عقولهم ويبحثون ويجادلون فيه.
إن من أشهر الناس الذين شككوا بوجود الوعي هو الفيلسوف الأمريكي والمهتم في البحث في فلسفة العقل دانييل دينيت، وهذا يثبت أن هنالك أذكياء وفلاسفة حقًا يعتنقون هذا النوع من الفكر رغم غرابته.
يفسر دانييل الوعي عن طريق اعتماده على عملية التطور. فيقول أن التطور أدى بالإنسان وجميع الكائنات الأخرى لأن يكون كائنًا يحمل مهارةً وإدراك، إلا أنه ما زال ينظر إلى هذا الإدراك على أنه مهارة دون إدراك. فإن أفكارنا الواعية لا تشكل إلا جزءًا ضئيلًا من المعلومات، أي الأفكار التي تهمنا فقط.
وعند الغوص في شروحات دانييل تستنتج أنه يتحدث عن عن مفاهيم من الممكن أن يكون عسيرًا علينا فهمها. يقترح دانييل أن أفكارًا التي هي صور عن أدمغتنا والوعي الذي نعتقد بوجوده لا يشترط أن تكون صحيحة أو خاطئة، لكن ماذا لو كان الشخص صاحب هذه الأفكار صاحب مرضٍ نفسي، أو اضطرابٍ عقلي، فبالتالي إن أفكار هذا الشخص الصادرة عن الوعي الذي يتصور أنه يملكه هي أفكار وهمية وبالتالي لا وعي لديه.
ربما لم يقم دانييل بنفي وجود الوعي تمامًا، لكنه يقول أن الوعي شيء ضئيل جدًا مقارنًة مع ما انتجنا من مفاهيم مبالغ فيها. ومع أن أفكار واعتقادات دانييل تبدو كأنها منافية للعقل، إلا أنه يضع فيها الكثير من الجهد المضني والبحث. حتى أنه نفسه يدّعب أن الإيمان بعدم وجود الوعي لهو أغرب وأكثر جنونا بكثير من الإيمان بوجود إله، ذلك ورغم أنه معترف صراحَة بإلحاده.
وتفسيرًا أكثر لما سلف من تفسير لوعي من قبل دانييل هو موضوع الكواليا وكيف يراه. إن الكواليا هي مفهوم فلسفي يعني تجاربنا الشخصية. فيقول دانييل أننا عادًة ما نبالغ بالدقة الذاتية للكواليا الخاصة بكل فردٍ منّا، ويبدو ذلك صحيحًا إلى حدٍ ما. لكنه استنتج لاحقًا أن الكواليا ما هي إلا خيالات محضة. وبالتالي أصبحنا بهذا الاستنتاج ككائنات شبه ميتة تتحرك بلا حياة داخلها؛ أي أشبه بكائنات الزومبي.
ويقول دانييل عن ما سبق أن الاحتمال الوحيد الذي يدعم أننا لسنا كائنات زومبي هو حماسنا لهذا الاعتقاد، لكن بمجرد أن بدءنا التصديق بوجود الزومبي، فيجب علينا وفتها التسليم بأننا كذلك!