يبدو أن "التوأم جيم" المشهوران، اللذان انفصلا بعد ولادتهما بفترة وجيزة في الأربعينيات من القرن الماضي، يعيشان حياة متوازية على الرغم من أنهما نشئا على بعد أميال في عائلات مختلفة تمامًا. وعندما تم لم شملهم فيما بعد في سن 39 عامًا، اكتشفوا العديد من أوجه التشابه بين قصص حياتهم، بما في ذلك أسماء أبنائهم وزوجاتهم وحيواناتهم الأليفة، بالإضافة إلى تفضيلاتهم لسيارات شيفروليه والنجارة كحرفة وغيرها.
يحدث نوع مماثل من التوازي على مستوى الكم أيضًا. يمكن أن ترتبط الإلكترونات والفوتونات والجسيمات الأخرى التي يتكون منها كوننا ارتباطًا وثيقًا، بحيث تكون الحالة الملاحظة في أحد الجسيمات متطابقة مع الآخر. هذا الارتباط، المعروف باسم التشابك، يظل قويًا حتى عبر مسافات شاسعة.
اشتهر ألبرت أينشتاين بالقول إن ميكانيكا الكم يجب أن تسمح لكائنين بالتأثير على سلوك بعضهما البعض على الفور عبر مسافات شاسعة، وهو ما أطلق عليه العالم "الفعل المخيف عن بعد Spooky action at a distance".
اقترح ألبرت أينشتاين وزملاؤه ظاهرة التشابك الكمّي لأول مرة في الثلاثينيات. في ذلك الوقت، شكك الكثير في صحة التشابك، بما في ذلك أينشتاين نفسه. على مر السنين وفي تجارب مختلفة، أنتج الباحثون جسيمات متشابكة دعمت النظرية. في هذه التجارب، قام الباحثون أولاً بربط جسيمين ثم أرسلوهما إلى مواقع مختلفة على بعد أميال. ثم قام الباحثون بقياس حالة جسيم واحد: على سبيل المثال، استقطاب (أو اتجاه الاهتزاز) للفوتون. إذا أظهر هذا الفوتون المتشابك استقطابًا أفقيًا، فسيكون كذلك شريكه المخلص.
حتى يومنا هذا، لا يزال من غير الواضح بالضبط مقدار التنسيق الذي تسمح به الطبيعة بين الأشياء البعيدة. أما الآن، فيقول خمسة باحثين بأنهم حلوا مشكلة نظرية تُظهر أن الإجابة، من حيث المبدأ، غير معروفة!
في فيزياء الكم، يصف تشابك الجسيمات العلاقة بين خصائصها الأساسية التي لا يمكن أن تحدث بالصدفة. يمكن أن يشير هذا إلى حالات مثل الزخم أو الموقف أو الاستقطاب.
إن معرفة شيء عن إحدى هذه الخصائص لجسيم ما يخبرك شيئًا عن نفس الخاصية للجسيم الآخر.
فكر مثلاً في زوج من القفازات. إذا وجدت قفازًا أيمنًا بمفرده في درجك، فيمكنك التأكد من أن القفاز المفقود يناسب يدك اليسرى. يمكن وصف القفازات بأنهما متشابكان، لأن معرفة شيء عن أحدهما سيخبرك بشيء مهم عن الآخر ليس ميزة عشوائية.
أعني في الموضة، هذا المفهوم ليس كل هذا الغريب. ولكن المفهوم يطرح مشكلة غريبة فيما يتعلق بميكانيكا الكم.
لقد قام فريق مكون من خمسة من الباحثين بنشر إثبات يتعلق بالتشابك، والمقدم في ورقة مكونة من 165 صفحة، في 14 يناير. إذا صمدت هذه الأدلة تحت وطأة التجارب، فسوف تحل بضربة واحدة عددًا من المشكلات ذات الصلة في الرياضيات البحتة، وميكانيكا الكم وفرع من علوم الكمبيوتر يُعرف باسم نظرية التعقيد.
وأيضاً على وجه الخصوص، سوف تجيب على سؤال رياضي لم يتم حله لأكثر من 40 عامًا.
فإذا تحقق دليلهم، "سوف تكون تلك نتيجة رائعة للغاية"، كما تقول ستيفاني وينر، عالمة فيزياء الكم النظرية بجامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا.
تعريف التشابك الكميّ:
بقدر ما قد يكون مفهوم الجسيمين المتشابكين محيرًا، فإن الموقف يصبح أكثر تعقيدًا عندما يتعلق الأمر بالمزيد من الجسيمات. في البيئات الطبيعية مثل جسم الإنسان، على سبيل المثال، لا يتشابك اثنان بل مئات الجزيئات أو حتى أكثر، كما يحدث أيضًا في مختلف المعادن والمغناطيسات، مما يشكل مجتمعًا متشابكًا. في هذه الأنظمة المتشابكة للعديد من الأجسام، يكون الكل أكبر من مجموع أجزائه.
من المهم تعيين الأفكار الأساسية لما نعنيه بـمفهوم "التشابك الكمومي". إن الفكرة الرئيسية بسيطة للغاية: لديك جسيمان، كل منهما يمكن أن يكون في حالة من حالتين "مختلفتين"، وتأتي أنت بعدها لتضعهما في حالة "واحدة موحدة" حيث تكون حالتهما غير محددة، ولكنها مترابطة (أي أن حالتيهما المترابطة غير محددة).
وإذا قمت بقياسه حالتيهما بشكل فردي كلاً على حدى، فستحصل على توزيع عشوائي لإجابات مختلفة "0" و "1"، ولكن، إذا كررت القياسات عدة مرات للعديد من الأزواج المُعدة بشكل متماثل، فستجد أن القوائم الناتجة من القياسات "0" و "1" متطابقة.
أي و باختصار تعتمد حالة أحد الجسيمين على حالة الآخر، وسيظل هذا الارتباط ثابتًا حتى عند فصلهما عن بعضهما البعض.
هل يعمل التشابك الكمي مع "الواقع"؟
جادل الفيزيائيان نيلز بور وهايزنبرغ أن حالة الجسم موجودة بالفعل فقط بمجرد ارتباطها بالقدرة على قياسها (أي قياس حالة الجسم)، مما يعني مراقبتها مخبرياً و بشكل تجريبي. حتى ذلك الحين، وحتى يتحقق هذا الأمر سوف تبقى طبيعتها مجرد احتمال.
بالنسبة لفيزيائيين آخرين، مثل ألبرت أينشتاين وإروين شرودنغر، كان هذا منافٍ للعقل تماماً مثل القول بأن قطة محبوسة داخل صندوق لن تكون حية ولا ميتة حتى تنظر بداخل الصندوق وتراقب.
وأخيرًا تعاون عالمان فيزيائيان بوريس بودولسكي وناثان روزن مع أينشتاين للتوصل إلى تجربة فكرية، حيث يتفاعل فيها جسمان بطريقة ما.
ومن خلال قياس إحداهما (أحد الجسمين)، قد نتمكن من إيجاد ومعرفة بعض تفاصيل الجسم الآخر المرتبط به دون الحاجة إلى قياسه بشكل مباشر، وذلك بفضل تاريخهما "المتشابك".
"فمل مخيف عن بعد Spooky action at a distance"
رداً على هذه المعضلة (والتي تسمى الآن أو مفارقة أينشتاين-بودولسكي-روزين) اقترح بور أن حالة كلا الجسمين أصبحت ببساطة " حقيقية " في نفس الوقت، كما لو أنهما تبادلا على الفور تفاصيل هذا الاقتحام التجريبي حتى لو كانت تفصلهما مسافات شاسعة.
ولكن، رفض أينشتاين هذه الفكرة ووصفها بأنها "عمل مخيف"، مدعيًا في مناسبات عديدة أن "الله لا يلعب النرد"!
وبعد عقود، لا تزال أفكار بوهر قوية، والطبيعة الغريبة للتشابك الكمومي هي جزء صلب من الفيزياء الحديثة. الفيزياء في الأساس "مخيفة" بعد كل شيء.