ستة دول عربية لجأت إلى
صندوق النقد الدولي منذ العام 2010 إلى الآن، هذه الدول هي موريتانيا والمغرب والعراق واليمن ومصر والأردن. ورغم لجوء هذه الدول وتعبير حكوماتها عن الامتنان الشديد على قبول صندوق النقد الدولي أن يمنحهم قروضا لإنقاذهم من عثراتهم، إلا أن الحديث لا ينقطع في كل هذه الدول وفي غيرها من الدول التي لم تلجأ ولديها رغبة في اللجوء إليها، بما فيها دول الخليج الغنية التي لم تطرق أبوابه حتى الآن من أجل القروض لأسباب كثيرة، رغم ما أخبرتكم به إلى الآن إلا إن الكثير يلعن صندوق النقد الدولي.
يرتبط صندوق النقد الدولي في أذهان الكثيرين على أنه مؤسسة سيئة السمعة، وأنها وكر للمؤامرات وأنه أداة في يد الدول الكبرى للسيطرة على خيرات شعوب الدول النامية والدول الفقيرة.
فهل هو مجرد رأي عالمي نسمعه و أصبح متداولا بين الدول الراغبة في حل مشكلاتها الاقتصادية، أم أن صندوق النقد الدولي فعلا هو وسيلة من وسائل الدول الكبرى للسيطرة على موارد الدول الفقيرة؟ ولو كان فعلا سيئا الى هذه الدرجة، لماذا تلجأ إليه الحكومات ومع ذلك تلعنه؟ للإجابة، علينا بداية علينا أن نتعرف على تاريخ الصندوق، ومن ثم التعرف على الموقف العدائي منه.
تأسس الصندوق في كانون الأول عام 1945، في نفس العام الذي تأسس فيه البنك الدولي، وكلاهما تم تأسيسهما في أعقاب اتفاقية بريتون وودز وهي اتفاقية مهمة، وقعت سنة 1944 قبل انتهاء الحرب العالمية الثاني بشهور، وهذه الاتفاقية الهامة جدا هي التي صاغت النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية.
كان الهدف من إنشاء صندوق النقد الدولي، أن يعالج الاختلالات الموجودة في اقتصاد دول العالم، الاختلالات وقتها كانت تتمثل في انهيار اقتصاديات بالكامل، ورغبتها الشديدة واحتياجها الشديد إلى قروض من مؤسسات مختلفة تقدم لها يد العون.
وفي نفس الوقت، هذه الدول تحتاج الى استشارة الخبراء، لكي يخبرونهم كيف يمكنهم الخروج من مشاكلها وأزماتها، ولا يقتصر الأمر على الدول العربية والدول الإسلامية، بل أيضا دول كبيرة مثل بريطانيا و فرنسا و ألمانيا التي انضمت الى الصندوق في الخمسينات.
كان واضحا أن الاقتصاد العالمي بحاجة عدد من الروابط وتهيئة المناخ العالمي كله الى عملية استقرار في أسعار صرف العملات والسيطرة على التضخم والسيطرة على عجز الموازنة في الدول الضعيفة ومساعدتها للتعامل مع ديونها المتصاعدة وإعادة الحياة إلى اقتصادياتها المنهارة و خلق تنافس عادل بين الدول، وتجارة بدون عقبات وعوائق، و هوكلام جميل جدا، ولكن علينا أن لا ننسى أن المنافسة في الرياضة مثلا تكون من نفس الأوزان، الملاكم او المصارع من الوزن الخفيف، يلعب مع نظيره من الوزن الخفيف، ومنافسة الوزن الثقيل مع الوزن الثقيل، ولكن في التجارة الدولية والنظم والقواعد التي سنتها هذه المؤسسات هي منافسة مفتوحة، فبريطانيا تتنافس مع تونس، والولايات المتحدة تتنافس مع البحرين، فهي منافسة مفتوحة لكنها قطعا تصب في مصلحة الأغنياء والدول القوية فقط، و تدهس الدول الفقيرة.
دورها في هذه المنظومة أن تفتح أسواقها حتى تستورد منتجات الدول الكبرى وشركاتها العملاقة، اي في النظام الذي تم العمل به بعد سنة 1945، كانت مهمة صندوق النقد الدولي الأساسية هي أن تكون بيت خبرة لحفظ التوازن وحفظ الاستقرار في السياسة النقدية، ولعمل هذا التوازن في السياسات النقدية التي أبرز ملامحها هو سعر صرف العملات، بالطبع هو يقدم القروض و يقدم الاستشارات الفنية.
يتعامل صندوق النقد الدولي مع الدول التي تلجأ لها في حال ضعف اقتصادها بتقديم استشارات ووضع شروط ملزمة، بحيث لا يمكن للدول الحصول على هذه القروض إلا إذا التزمت بهذه الشروط، وكل شروط صندوق النقد الدولي في العادة تتمحور حول أمور ثابتة، هذه الأمور الثابتة هي أن الدولة التي تلجأ له، كالأردن مثلا، يخبرونه أنه دولة ضعيفة و تحتاج لنا لمعالجة الخلل، وأنت لا تملك السيولة اللازمة، لذلك أنت تحتاج إلى قروض جديدة، سواء منا او من غيرنا من مؤسسات التمويل الدولية حتى تعيد الحياة لاقتصادك.
أي أن عملية الإنعاش للاقتصاد يجب أن يسبقها قيام الدولة بإصلاح اختلالات معينة موجودة عندها، فتسيطر الدولة أولا على عجز الموازنة، وعلى عملية الاستدانة والمقصود هنا الدين العام سواء كان من الداخل من البنوك المحلية أو الخارج، وإعادة التوازن الى ميزان المدفوعات والصادرات والواردات والاستثمار الخارج والاستثمار الوافد، كل تلك الأمور يطلبها منه كمجموعة من الشروط التي عادة ما تؤدي الى خطط تقشف، وهي شروط أبسط ملامحها وأشهرها هي أن على الدولة أن ترشد نفقاتها بشدة، وأن تعيد النظر في الدعم المفتوح المطلق الأعمى الذي لا يفرق بين غني و فقير، ويقتصر الدعم على الفئات الأكثر احتياجا فقط، و يحرم من الدعم كل الطبقات القادرة وشبه القادرة. وذلك حتى تتمكن الدولة من التخفيف من الأحمال التي تؤدي الى مديونيتها والى اختلالات الموازنات العامة فيها.
كل ما سبق يبدو جيدا، خاصة أنه يتفق مع كل العقائد وكل التصورات لأي اقتصاد محلي، فلو طلبت من اي اقتصادي في أي دولة، وطلبت منه وضع خطة إصلاح، فتقريبا سينتهي إلى نفس النتيجة التي وضعها صندوق النقد الدولي، فلماذا تلجأ الدول إلى الصندوق طالما أن هذا الصندوق لم يأت بجديد؟
هناك عدة إجابات، أولها أن بلدا مثل المغرب ومصر والأردن وغيرها من الدول لجأت للصندوق، والذي يعتبر مثل المؤسسات الاخرى الخبيرة مثل البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي وكالبنوك التجارية التي تقرض، وبالتالي فإن شهادته تعتبر شهادة ثقة، من يباركه الصندوق، أي من يقوم الصندوق بالإشادة به من الدول على أنها دولة تسير في المسار الصحيح، فهذا بحد ذاته يمثل الضوء الأخضر لتقوم المؤسسات الاخرى بالاطمئنان الى اقتصادات تلك الدولة وبالتالي تقوم بمنحها المزيد من القروض. مما يعني أن مباركة الصندوق لأي دولة من الدول، ولبرامجها الإصلاحية، والموافقة على إقراضها، كلها أمور تفتح عليها طريقا الى المزيد من القروض التي تحتاجها.
على سبيل المثال لجأت مصر إلى الصندوق طالبة قرضا ب اثنا عشر مليون دولارا، وهو بالنسبة لمصر مبلغ مهم جدا لسد الفجوة التمويلية عندها وإصلاح اقتصادها وسد عجز موازنتها وتقلل دينها العام، حينها كانت قد تراجعت المساعدات الخارجية لمصر، وكانت فعليا بحاجة الى واحد وعشرون مليار دولار، فلجأت لصندوق النقد الدولي للاستدانة من صندوق النقد الدولي و بسعر فائدة قليل نسبيا لا يتجاوز ال 2%.