رأيي بأن الحب الذي يكون عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي مرهون بعدة أمور، وهي ما تحدد إن كان حباً فعلاً، أم أنه مجرد إعجاب فقط أو حتى إسقاط للحاجات غير المشبعة أو سد لفراغ عاطفي موجود عند الشخص.
فأحياناً يجذبك شخص ما على فيسبوك أو انستغرام أو أي شبكة من شبكات التواصل الاجتماعي من خلال صوره التي ينشرها أو آرائه التي يعبر عنها، أو اهتماماته التي عرفتها من خلال معلوماته الشخصية في حسابه الخاص، وخاصة إذا كان بينكما اهتمامات مشتركة وآراء متشابهة، فحتى في العالم الواقعي يعجب الشخص بآخر له نفس اهتماماته أو وجهات نظره، أو قد تكون قد راسلت هذا الشخص من خلال غرف المحادثة وأعجبت بلطفه وأسلوبه في الكلام...
لكن... هل خطر لك يوماً أن الناس ينشرون أفضل ما عندهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وأنه أحياناً لا يعكس واقعهم ويكون بعيداً كل البعد عنه؟! فالصور التي تراها هي في الأغلب صوراً مفلترة ومعدلة، والمنشورات التي تقرؤها في حسابه قد لا تعبر عن آرائه وقناعاته فعلياً؛ فالإنسان يميل للمثالية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى لو كانت صوره تعكس شكله الحقيقي ومنشوراته تعكس وجهات نظره الحقيقية فهذه الشبكات لا تريك إلا جزءاً صغيراً من عالمه وأفضل ما عنده، ولا تعطيك تصوراً دقيقاً عنه وعن حياته وروتينه وشخصيته وردود أفعاله التي تصدر عنه في مواقف معينة.
أنا لست ضد بناء علاقة مع أحدهم من خلال شبكات التواصل الاجتماعي؛ فقبل انتشارها كنا نختار الشخص الذي نريد تطوير علاقتنا معه من بين عدد محصور من الناس من خلال شبكة الأصدقاء والجيران والأقارب، أما الآن ومع انتشار هذه الشبكات فقد توسعت دائرة معارفنا وأصدقاءنا - حتى لو كانوا وهميين وهذا يعطينا فرصة أكبر للاختيار.
لكن لتكون علاقتك صحية وحقيقية ولتتأكد من مشاعرك ومن مشاعر الطرف الآخر الذي تعرفت عليه عبر هذه الشبكات فعليك أن تنتقل فيها للعالم الحقيقي لتقابله وجهاً لوجه لأكثر من مرة وتتعرف عليه أكثر، وتتأكد من صدق مشاعره ومن صحة الفكرة التي أخذتها عنه ولتتيح له ولنفسك فرصة الشعور بمشاعر الحب الجميلة؛ فرده السريع على رسائلك على وسائل التواصل الاجتماعي لا يضاهي لمعة عينيه عند لقائك وجهاً لوجه، وظهور كلمة "Typing" لوقت طويل لا يضاهي رجة صوته وتردده في الكلام وارتباكه عندما يريد إخبارك بأمر ما، وإعجابه بصورك ومنشوراتك لا يضاهي كلام الغزل الذي تسمعه منه عندما يعجبه شكلك أو أناقتك أو طريقة كلامك على أرض الواقع... ألا توافقني الرأي؟!
لألخص كلامي... ليس هناك إنسان ناضج عاطفياً يحب ويقيم علاقة جدية على شبكات التواصل الاجتماعي، إلا إذا بدأها هناك ثم انتقل بها للعالم الواقعي وقرر الاستمرار بها. أما أن تحب شخصاً لم تقابله في حياتك، ويبقى الشك بداخلك إن كان شخصاً حقيقياً أم لا وإن كانت الفكرة التي وصلتك عنه صحيحة أم لا فهذا أمر لا يفعله الشخص الناضج عاطفياً، ولكنه قد يصدر من شخص غير ناضج عاطفياً أو يعاني من فراغ عاطفي يسعى لسده من خلال أي شخص فيتوهم هو ويوهمه بأنه يحبه فعلاً. كما أن هناك أشخاص يتسلون على هذه الشبكات ويصيدون ضحاياهم بعناية فيوهموهم بأنهم واقعين في حبهم ويشتاقون لهم إن غابوا عنهم ويحزنون إذا تركوهم... فاحذر من هذه الشخصيات، وإن كنت أنت المقصود بالشخص الذي أحب على شبكات التواصل الاجتماعي ووصل معه الأمر للاشتياق والاكتئاب فراجع نفسك أكثر لتعرف السبب الذي جعلك تتعلق بهذا الشخص، وإن كنت تكن له إعجاباً حقيقياً فلا تتردد بأن تطلب لقاءه وجهاً لوجه لتتعرف عليه أكثر وتختبر مشاعرك ومشاعره هو أيضاً لتقررا معاً إن كنتما ستستمرا في هذه العلاقة أم لا. لكن قبل كل هذا أريد منك أن تجلس مع نفسك قليلاً وتسأل نفسك عن الأسباب التي جعلتك تتعلق به وإن كان هذا التعلق حقيقياً أم أنك تستمتع بحالة الحب فقط وتود أن تعيش هذا الشعور فحسب، أو أنك تعاني من فراغ تود سده من خلال مشاعرك نحو هذا الإنسان... صارح نفسك أولاً ثم اطلب لقاءه إن كنت متأكداً مما بداخلك.