سأبدأ لك/كِ بحقيقةٍ تبدو صادمة؛ حتّى المُتشائمين الذين يتوقّعون الأسوأ يتعرّضون لخيبات الأمل، كلّ البشر بدون استثناء معرّضون لخيبات الأمل، الأمل مهما كان ضئيلًا في ذوات النّاس فلا يُمكن لأحدٍ إنكار وجوده، وفاقد الأمل حقًّا ينتحر، أي أنّ كلّ إنسان يتنفّس ويستمر لديه أمل بالضّرورة، طبعًا هذا ليس حُكمًا على جميع من ينتحر فأحيانًا يكون بهم أمراض عقليّة أو نفسيّة والانتحار ليس المسألة.
المسألة في الفرق بين المتشائم والمُتفائل، كلاهما سيتعرّضان في حياتهما لخيبات الأمل لكنّ الفارق أنّ المُتفائل بطبعه يستطيع الخروج من الخيبات بسهولة تامّة واسترسال، بينما المُتشائم يزيد منسوب التشاؤم لديه ويبدأ بترديد العبارات الدنيئة مثل "أنا طول عمري حظّي هيك".
أنا مع التفاؤل وإن كانت الزّيادة في التفاؤل تسرّعٌ أحيانًا فإنّه يمنح شعورًا جميلًا وسلام داخليّ وسعادة لا توصف، وهو تمرين نفسي للخروج من أي صدمة أو خيبة بتوقّع القادم بأنّه أفضل دائمًا، لا تصدّق المُتشائمين الشكّايات عزيزي/تي فعند أوّل فرصة حياتيّة لديهم ستجدهم أكثر حماسًا منك، وتجد أنّ إقبالهم على الحياة أقوى من إقبالك أنت بعد أن أقنعوك أنّ التشاؤم أقرب للواقع والمنطق، نعم الحياة صعبة وشاقّة لكن يبقى هناك محرّكات داخليّة تحكم علينا بالتّعاسة أو السّعادة، وهي بنفس قوّة المحرّكات الخارجيّة فهي الدّافع الأساسي للبحث عن الفرص، فالمتشائمون حقًّا سيبقون كذلك ما داموا يغذّون هذا الشّعور لديهم بمشاكل حياتهم الموجدة في حياة ملايين البشر، نحن بالغالبيّة العظمى لا نحقّق ما نُريد ومشاكلنا لا تنتهي، لا أحد مُرتاح وهذا منطقيّ.
الكارثة أن المُتشائم يرى نفسه منطقيًّا وذكيًّا لأنه توقّع مشاكل الحياة ومُستعد لها بنفسيّة سيئة، هذا غباء ومثير للسّخرية، فنحن كبشر بالغين جميعنا نتوقّع المشكلات ونتوقّع الأسوأ لكنّ توقّعنا للأسوأ لا يعني أنّنا مؤمنون بأنّه نتيجة حتميّة دائمًا، المتفائل فينا هو الأذكى بدون منازع، إنَه يتوقّع المشكلات والأسوأ ولكن لا يسمح لذلك التوقّع بالسّيطرة عليه وحرمانه من التقدّم في حياته.
كُن ذكيًّا توقّع كلّ شيء ولكن اغمس توقّعاتك بالتّفاؤل فحتّى في حسبتك للنتائج علّق النتيجة السلبيّة بشيء إيجابي يتغيّر فيك مثلًا وأنها تجربة نمّت فيك صفة ما.
جميعنا مللنا كلام التّنمية البشريّة والإيجابيّة والبلا بلا بلا، ولكنّنا بدون مدرّب تنمية بشريّة ندفع له مالًا ليقول كلامًا ربّما يكون ترّهات فنحن أذكياء في التّعامل مع ذواتنا ولا نحتاج من يعرّفنا عليها ويحكم علينا بكلامه، ببساطة نحن نعلم تمامًا أن التّفاؤل ذكاء في التّعامل مع الذّات لحمايتها من الوقوع في أوهام التشاؤم الذي يعود عليها بالويلات النّفسيّة والجسديّة.
تفاءَل الله يفاءلك.