نعم لأن المال الذي سرقه ليس له وإنما هو حق لغيره من الناس سواء كانت السرقة مال عام لجميع الناس، كمن يختلس من وزارة أو شركة أو مؤسسة حكومية، أو كانت السرقة من مال خاص لفرد معين.
- فقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَاذَا نُزِّلَ مِنَ التَّشْدِيدِ؟ فَسَكَتْنَا وَفَزِعْنَا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ سَأَلْتُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نُزّلَ؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ أَنَّ رَجُلا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، ثُمَّ أُحْيِيَ، ثُمَّ قُتِلَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ) (رواه النسائي وحسنه الألباني).
- فقوله صلى الله عليه وسلم: (حتى يقضى عنه دينه) فيشمل الدّين الزكاة والنذر، وديون الآدميين، سواء أخذها بطيب خاطر كالقرض والسلف، أو بشرقة، لأن لفظ الحديث عام ويشمل النوعين، بل قد جاء في الحديث (اقضوا الله فالله أحق بالقضاء).
فالواجب على ورثة الميت أن يبحثوا ويجتهدوا ويسعوا أولاً لقضاء دينه وتحليل ذمته فيبحثوا إن كان عليه حقوق على أحد فيقضوها تبرئة لذمته، سواء كانت لله أو لآدميين قبل اقتسام ورثته. فإن عجزوا ولم يجدوا سبيلًا إلى معرفة صاحب المال المسروق فإنهم في هذه الحالة يتصدقون بذلك المال المسروق، والله جل وعلا ينفع صاحب ذلك المال به إذا كان مسلمًا ينفعه بهذه الصدقة، وهذا هو طريق البراءة من ذمته.
- كما أنه على المسلم أن لا يبيت إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه، وأن يوصي ويبين الحقوق التي عليه تبرئة لذمته حتى لا يكون مفرطاً في حقوق الناس ويؤثم على ذلك، بل عليه أن يكتب ويوثق ويوصي ويوضح كل ما عليه، فإذا فعل ذلك يرجى له لو قصر الورثة أن يرحمه الله ويغفر له ويرضى الدائن أو يتجاوز سبحانه عن حقه يوم القيامة.
- ويقول الإمام النووي رحمه الله في كتابه روضة الطالبين: " إن كانت المعصية قد تعلق بها حق مالي كمنع الزكاة والغصب والجنايات في أموال الناس وجب مع ذلك تبرئة الذمة عنه بأن يؤدي الزكاة، ويردّ أموال الناس إن بقيت، ويغرم بدلها إن لم تبق، أو يستحل المستحق فيبرئه، فإن مات سلّمه إلى وارثه، فإن لم يكن له وارث وانقطع خبره رفعه إلى قاض ترضى سيرته وديانته. فإن تعذّر تصدّق به على الفقراء بنيّة الضمان له إن وجده. وإن كان معسراً نوى الضمان إذا قدر، فإن مات قبل القدرة فالمرجوّ من فضل الله تعالى المغفرة "
- وعليه: فينبغي لأهل الميت أو وصيه -إن كان له وصي- أن يجتهد في المسارعة لقضاء الدين، وهذا التعليق تعليق مجمل، ما بين معناه، لكن يدل على شرعية المسارعة لقضاء دينه، حتى لا يبقى معلقا، وإذا لم يكن له ورثة يسددون عنه دينه يتطوع من المسلمين من يسدد عنه دينه، أو يتم مسامحته من قبل الأشخاص الذين استدان منهم.
-وعن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يدعو الله بصاحب الدين يوم القيامة حتى يوقفه بين يديه، فيقال: يا ابن آدم، فيم أخذت هذا الدين، وفيم ضيعت حقوق الناس؟ فيقول: يا رب، إنك تعلم أني أخذته فلم آكل، ولم أشرب، ولم ألبس، ولم أضيع، ولكن أتى على يدي: إما حرق، وإما سرق، وإما وضيعة، فيقول: الله عز وجل: صدق عبدي، أنا أحق من قضى عنك اليوم، فيدعو الله بشيء، فيضعه في كفة ميزانه، فترجح حسناته على سيئاته، فيدخل الجنة بفضل رحمته". وأخرج البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه؛ ومن أخذها يريد إتلافها، أتلفه الله"
- والله تعالى أعلم.