قبل أن أجيب عن هذا السؤال أود أن أحكي لك قصتي الغريبة مع الأمومة؛ فأنا لست كأي أم تزوجت ثم أنجبت طفلاً فأصبحت ماما... أنا فتاة غير متزوجة ولكنني حالياً أم ثانية لطفل من ذوي التحديات الخاصة وعمره 8 سنوات...
بدأت قصتي عندما ولد ابن أختي عمر، ولم أكن أكِن له أي مشاعر مميزة بعد، فأحببته كأي خالة تحب ابن أختها فقط، ولكنه عندما خرج من المستشفى وكان عمره يوم واحد وحملته لأول مرة، بدا عليه المرض الشديد وكانت عيناه وكأنهما تحدثاني وتشتكيا لي المرض والألم، فكان ينظر إلي ويوجه وجهي نحوه كلما أزحته. منذ تلك اللحظة شعرت بقرب روحي شديد بيني وبين هذا الكائن الصغير.
وعندما كبر عمر قليلاً وبلغ عدة أشهر عرفنا أنه يعاني من ضمور في الدماغ سبب له إعاقة حركية وعقلية، فتغيرت حياتنا لنخوض أنا وأختي وزوجها في عالم لم نكن نعرف عنه شيئاً لنتعلم ونتمكن من مساعدة عمر بكل الطرق الممكنة.
ومن بين الأطباء الذين زرناهم قال لنا أحدهم أن حالة عمر ستزداد سوءاً عندما يصبح عمره 8 سنوات لأن خلايا الدماغ في هذا السن تقل استجاباتها، فأصبحنا نسابق الزمن لنكسب عمر المهارات الأساسية قبل أن يبلغ هذا العمر، وبعد رحلة تجارب معظمها كانت فاشلة حيث يقيم في دبي قررت العائلة الانتقال لعمان لعلاج وتأهيل عمر، فمكثوا هنا حوالي 9 أشهر اضطروا بعدها العودة لدبي، ولكن عمر بقي معي هنا لأجد نفسي أم لطفل من ذوي التحديات الخاصة في يوم وليلة! فأصبحت المسؤولة عنه من ناحية طعامه الصحي وتدريباته وعلاجاته وكل شيء، واتفقت مع والديه أن يرسلوا له ما يحتاج من مصروف بينما أتولى أنا الأمور الأخرى.
كل من عرف بقصتي كان يستغرب كيف تفعل هذا فتاة غير متزوجة وناجحة جداً في عملها - حيث كنت مسؤولة برامج في إذاعة أردنية معروفة- ولكنني سعيدة جداً بهذه التجربة، بالرغم أنني أدرك أنها مرهقة جداً وليست سهلة كما توقعت عندما طلبت من زوج أختي أن يترك الطفل عندي!
فقبل يومين لم أنم لحظة واحدة لأننا قللنا جرعة دواء الدماغ الذي يأخذه عمر لعلاج الشحنات الزائدة فيه؛ فخفت أن تعود له الشحنات من جديد فيتشنج -لا سمح الله. وقبل شهر تقريباً وقع في المركز أثناء الجلسة فخفت عليه كثيراً.
كما أنني شعرت بالإحباط في أكثر من موقف، حتى أنني في أحيان كثيرة فكرت بإعادة عمر لدبي لأنني خفت أن أظلمه معي، وخاصة عندما كنت أصارع نفسي لتجاهله عندما يبكي كأسلوب لتعديل سلوكه، وعندما كان يمسك يدي لأساعده على المشي ليذهب للخزانة ويأخذ الكيكة التي يحبها، ولكنني أمنعه أحياناً للالتزام بحميته الغذائية... شعرت بالإحباط أيضاً عندما وجدت نفسي عاجزة أمام نتيجة تقييمه النمائي التي أعطيت لي وكان مفادها أن عمره العقلي كعمر طفل لم يبلغ من العمر السنة والنصف! لكنني استعت قواي وقررت ألا أصدق أحد، وأن أعمل جاهدة ليتحسن عمر، وكان ردي على كل مختص يقول لي ألا أتوقع الكثير من عمر حتى لا أشعر بالإحباط، أنني واثقة به وواثقة كذلك برب العالمين وأنتظر منه معجزة، وأعلم أنه سيمن علينا بها في يومٍ من الأيام...
أنا لا أقول أن الأمومة هي أمر سهل، بل أنها أمر مرهق وصعب للغاية، وخاصة إذا كنتِ أماً لطفل ميزه الله بأمر ما مثل عمر؛ فالمسؤولية مضاعفة والألم مضاعف، والفرح كذلك أضعاف وأضعاف؛ فلا أستطيع أن أصف لك فرحتي عندما بدأ عمر يعبر عما يريد ويجيب على تساؤلاتنا بـ "آه" وهز الرأس بمعنى "لا"، فقد كان لا يعبر أبداً عن حاجاته، وكنت أجرب أصناف الطعام كلها وأراقب ملامح وجهه لأعرف ماذا يحب!
في النهاية... أود أن أقول أنني سعيدة جداً بأمومتي هذه، وأعتبرها أمومة حقيقية لأن الأم ليس بالضرورة أن تكون والدة؛ فعمر محظوظ لأن لديه أمهات اثنتين!