"أنا شاعرٌ حُـرٌّ أُعاني
من حُرقةِ الآباءِ أَقتبسُ المعاني
ومِدادُ أشعاري تقاطَرَ
من دموعِ الأمهاتْ
فمتى ستوحي بالهوى شفةُ الهوانِ؟
ومتى ستطلعُ وردةُ الآمالِ
في تلكَ الدواةْ؟"
أحمد مطر
تلك الكلمات التي تشكل مقطوعة فنية تجسد الأدب العربي وتحمل رسائل نقد و توثيق لما يعيشه الوطن العربي من منعطفات تندرج تحت مسمى شعر اللافتات، فما هو هذا النوع من الأشعار، و من صاحب هذه الكلمات؟
يعتبر شعر اللافتات من الفنون الشعرية الجديدة التي تعبر عن آراء الشاعر وتوجهاته، ولعل ابرز هذه اللافتات كانت منسوبة للشاعر (أحمد مطر) حيث انه لقب بشاعر اللافتات، نظرا لتمرد قلمه و الثورة بداخل روحه التي بدورها رفعت كلماته على سارية شعره، وسردت كلماتها على شكل لافتات تحمل بين طياتها النضال و الحرية.
امتازت لافتات الشاعر احمد مطر بجرأتها و صوتها الذي يحرك صداه مشاعر شعوب الأمم و يزيل الغشاوة التي فرضتها السياسة الديكتاتورية المنتشرة في عهد بعض الحكام في العالم، بحيث كانت لافتات أحمد مطر ذات مضامين صريحة و رسائل عميقة تعبر عن جزل الكلمات و تثري معانيها الحروف.
ولد شاعر لافتات أحمد مطر في مدينة البصرة منطقة التنومة في العراق حيث كان يصفها بأنها تنضح بالرقة والبساطة وتشع جمالا من خلال أنهارها وطبيعتها الخلابة الثرية بالجداول والبساتين ، كانت حياتها محفوفة بالفقر و الحرمان، لذلك قرر ان ينتقل الى بغداد عله يجد السبيل للتخلص من الفقر و تغير نمط حياته، ومن هنا بدأ أحمد مطر رحلته في المنفي الذي استولى على طريقة وجعله يتخبط في حياة يحفها الغموض و اسرار من كل جانب.
بدأ أحمد مطر في كتابة الشعر منذ نعومة أظافره، وكانت جريدة القبس في دولة الكويت النافذة التي أطل من خلالها على العالم كمحرر ثقافي، و نشر فيها العديد من اللافتات والقصائد التي بدأت في الانتشار بين القراء كالنار في الهشيم مما جعل منه شاعرا معروفا لدى الشعوب في الوطن العربي والعالم، حيث قال عنها مدير مركز المعلومات بجريدة القبس الكويتية حمزة عليان :"كانت لافتات مطر تتصدر الصفحة الأولى من القبس، وأصبحت بمثابة افتتاحية يومية للصحيفة، وصار الناس يترقبون موعد صدورها، ويتداولون اللافتة اليومية بشغف، حتى صار السؤال المتداول على شفاههم: "هل قرأت اللافتة اليوم؟"
لكن لافتات الشاعر احمد مطر كانت مختلفة بعض الشيء حيث انها اقرب قصائد الهايكو اليابانية من خلال تجسيدها لفكرة واحدة وحملها لرسالة واضحة اما ثقافية او سياسية يخاطب بها الشاعر القارىء ويلامس واقعه وينتفض بروحه، و كانت أيضاً تتميز بالصدق وجرأة في طرح المواضيع السياسية و الاحتجاج ضد الديكتاتورية بواسطة كلمات حادة و بصراحة واضحة بدون بلورة و زخرفة الحروف، الشيء الذي أثار حفيظة السلطات العربية.
لذلك تم مطالبة أحمد مطر بوضع قيود معينة على قلمه و ترويض كلماته وذلك لتخفيف حدة لهجته الكتابية، الأمر الذي رفضه احمد مطر وجعله يودع الصحيفة التي عبر من خلالها عن روحه و عالم أفكاره لسنوات و يكتب لها لافتة معاتبة ووداع تتجسد بهذه الكلمات:
"أيتها الصَحيفةْ
الصِّدْقُ عندي ثورةٌ
وكِذبتي
إذا كَذَبتَ َمرَّةً
ليستْ سوى قذيفةْ !
فلتأكلي ما شئتِ ، لكنِّي أنا
مهما استبدَّ الجوعُ بي
أرفضُ أكلَ الجِـيفَةْ
أيتُها الصحيفةْ
تمسَّحي بِذُلَّةٍ
وانطر حي بِرهبَةٍ
وانبطحي بِخِيفَةْ
أمّا أنا
فهذهِ رِجلي بأمِّ هذهِ الوظيفَةْ"
وعلى أبواب مدينة الضباب تم نفي احمد مطر و ترحيله هو وصديقه رسام الكاريكاتير ناجي العلي الى لندن، تاركين وراء ظهورهم درب الاوطان المهشمة وحاملين معهم هم الشعوب و الغربة، حيث انطلق مطر لتأسيس ديوان جديد بقلمه الصادق يسلك به دربا جديدا في صراعه للوصول للحرية، حيث انه قال في احدى لافتاته:
"لا تسألوا
كيف اختفت لافتتي الشعرية
لا تسألوا
فهذه الأوطان تعتقل الفأس
إذا ما حلت الأوثان
وهذه الأوطان
تودع الملاك دومًا
عندما تستقبل الشيطان
وهذه الأوطان
إذا أتاها ظالم
تذبح كل طائر مغرد
وزهرية برية
لأنها تخشى على شعوره
من منظر الحرية !"