وصولنا لعمر الثلاثين لا يعني أبدًا أننا شخنا ولم نعد قادرين على فعل شيء، إلا أن هذا العمر يشبه الخط الفاصل بين فترة التجارب وفترة العمل الجاد الذي تعتمد عليه باقي حياتك بجميع جوانبها. لذا وبوصولنا لهكذا عمر يجب علينا أن نكون قد مررنا بتجارب خرجنا منها بدروس عديدة مهما، لنبني على أساسها سلوكيات جديدة في الفترة القادمة من حياتنا.
سأحدثك عن عدة أمور ودروس ربما تبدو قاسية قليلًا، إلا أنها ستكون مهمة جدًا لك بعد خوضها حتى تتعلم منها ما يفيد حقًا، وما يشعرك بالفعل أنك الآن شخصٌ بالغ وناضج.
إن تجارب الحب التي نخوضها في شبابنا هي من أهم التجارب العاطفية إطلاقًا. ربما إن نظرت إلى نفسك في عمر العشرينات، وتفحصت علاقاتك العاطفية ستبدأ بالضحك والاستهزاء بما كنت تفعله حينها، إلا أن الأمر لم يكن سخيفًا كما تعتقد، بل على العكس. إن العلاقات الفاشلة هي العلاقات الوحيدة التي تعلمك أن الشريك ليس هو المصدر الوحيد للسعادة. ستتعلم كيف تسعد نفسك، وكيف عليك أن تتعامل مع شريكك في المستقبل بمنطقية وعقلانية قبل عاطفتك. عليك أن تتعلم الإتزان بالحب، وأن قضاء بعض السنين بلا شريك لا يعني أنك وحيد أو أن بك عيوبًا لا تغتفر.
وهناك اعتقاداتنا التي نظن طوال عشرون عامًا أنها صحيحة ثم تثبت عكس ذلك. كاعتقادنا أن المال هو سر السعادة، وأن الزواج يشبه ما نراه في أفلام ديزني الخيالية، وأن العمل والوظيفة أمرًا يسهل الحصول عليه، ويسهل التعامل معه. عليك أن تتلقى دروسًا مؤلمة في عشرينياتك حتى تستطيع أن تكون متقبلًا للواقع لاحقًا.
من المهم أن تعتاد الاعتماد على نفسك. إن معرفة أصدقائك وعائلتك لك ولماضيك لا يعني أبدًا أنهم قادرون على إعطائك ما تستحق من نصائح، ولا يعني أبدًا أن لهم الحق في اتخاذ قراراتك. إن النصيحة أمرٌ في غاية الأهمية من الأشخاص ذوي الخبرة، إلا أنها لا يجب أن تتعدى حدود النصيحة أبدًا.
ابتعد بقدر استطاعتك عن التوقعات والتنبؤات والاعتماد عليها بشكلٍ خالص، حيث ستكون عواقب الفشل وخيمةً جدًا. عليك بالتالي أن تتقبل ما تتعرض له، وإن تتعلم منه مهما كان سيئًا، وابق دائمًا جاهزًا لأي سقوط، ولا تتوقع أن الحياة آمنة ووردية كما تصورها لك آمالك العديدة المليئة بالثراء الفاحش والاسترخاء الأزلي والسعادة الأبدية.
ظنونك حول تسلقك السلم الوظيفي بكل سهولة هو أمر غير منطقي أبدًا، فابتعد عن هذه الأفكار بسرعة قبل وصولك سن الثلاثين حتى لا تصدم بالواقع الأليم مرارًا وتكرارًا. وسوف تعرف ذلك خلال الوظائف التي ستلجأ إليها في العشرينات، ولسوف تعلم أن رحلة الصعود الوظيفي مليئة بالعقبات والمنافسين، وأنها ليست بالسرعة التي نتصورها بل عالعكس؛ ربما ستحتاج لسنين عديدة من أجل صعود درجة واحدة. ولا تنسى أن ذلك يحتاج خبرة كافية، ومهارات مكتسبة لن يسلمك إياها أي شخص بلا مقابل. فعليك أن تعمل على تحسين نفسك باكرًا قبل أن تضيع عمرك وتخسر وقتك، وحتى لا تندم على آمالك لاحقًا.
عليك تخطي فترة المراهقة والشباب اللطيفة التي ملأنا رؤوسنا فيها بأحلام تخبرنا أن نلحق شغفنا وما شابه. علينا أن نميز بين الهوايات وما نحب أن نفعل في أوقات فراغنا، وبين الأمور المهمة التي علينا اللجوء لها حتى نتمكن من العيش وكسب الرزق والحياة بكرامة. حيث سيكون من الخطأ أن تعتبر القراءة شغفًا، وأمرًا تريد فعله طول حياتك، بينما أنت تعرف حق المعرفة أن القراءة ليست أمرًا بإمكانه أن يدر عليك أي مال، أو يمنحك وظيفة تتمكن من العيش من خلالها. ولكن في نفس الوقت لا يجب عليك إهمالها، بل ضعها في مكانها المناسب، وارسم حدودًا عقلانية تمنحك وظيفة وحياة طبيعية. واستغل الأمور التي تحب فعلها حتى تتمكن أن تتميز في عملك مثلًا، أو أن تستثمر أي هواية لديك كأمر جانبي يسعدك ويلهمك.
درب نفسك من خلال ما ستتعرض له من مواقف أن لا تكون أنانيًا أبدًا. فالأنانية ليست وسيلة لتدمير النفس فقط، بل إنها قادرة على تدمير صاحبها وكل من حوله بلا رحمة. وبهذا أنت تخسر نفسك وتخسر فرصك في النجاة أو حتى التقدم. وأيضًا عليك أن تبتعد عن الأنانيين إن صادفتهم، حتى لا تتأثر بالخراب الذي يحملونه معهم أينما ذهبوا.
ومن الأشياء التي أنصحك بالاعتياد على فعلها هو سؤالك لنفسك في كل مرة تقدم على تصرف جديد إن كان من الممكن أن تندم عليه عند بلوغك سن الشيخوخة. بهذا أنت تعمل عقلك في كل تصرفاتك، وتدرس كل خطواتك، وتقلل من فرص الفشل والندم مهما كثرت، وبالتأكيد تدرب نفسك على العقلانية والنضوج مرة بعد مرة.
إن نوع الحياة التي ستعيشها هو أمر تختاره أنت بيد في سنين شبابك الأولى. يمكنك أن تختار عيش حياة آمنة ومستقرة بلا عقبات، لكنك لن تذوق طعم التجارب والمغامرات أبدًا، ولن تذوق طعم النجاح بعد سقطات عديدة من الفشل. ويمكنك أيضًا أن تختار حياة المغامرة والجرأة، ومنه عليك أن تعرف أن لا راتبًا ثابتًا ينتظرك، ولا توقعات أكيدة لمستقبلك. أنت تستطيع تحديد ما تميل له شخصيتك، فبيدك الخيار بين حياة آمنة مملة، وبين أخرى جريئة وخالية من الأمور التقليدية.
ستواجهك في حياتك العديد من الأسئلة التي لا إجابة لها، ولربما تجد إجابات إلا أنه يتضح لاحقًا أن لا علاقة لها بسؤالك. إجابات هذه الأسئلة لن تجدها إلا من خلال الحياة التي تعيشها، ولن تخرج بوجهك لوحدها، بل ستجدها بعد السقوط في كثير من الأحيان. لا تقلق لأي أمر يحيرك ويثير القلق في عقلك، كل شيء له إجابة، إلا أن لا أحد يعرف موعد ظهورها.
ذكرت لك سابقًا أن السعادة لا تتوقف على ما نملك من مال، إلا أن إنكار حقيقة حاجتنا الماسة له أمر في غاية الغباء. إننا نحتاج للمال حتى نتمكن من العيش، ونحتاج للكثير منه حتى نتمكن من الراحة. من هنا عليك أن تفكر بعقلانية وجدية، وتخطط أين تلقي بجهودك. حتى أصغر الأمور لا ضير في التفكير فيها. وأمور كبيرة أخرى لا تظن أبدًا أن عليك أن لا تقلق بشأنها. بل حدد بدقة ما تريد أن تكسب سنويًا، وما الحياة التي تسعى لأن تعيشها بعد تقاعدك.