في بعض الأحيان تكون المؤسسة نفسها عدوّة لذاتها وتدمر الحرية والاحترافية المهنية التي يتطلبها العمل الصحافي. وتتمثل هذه المشكلة بالقيود الداخلية التي تفرضها المؤسسة؛ فالتحقيقات التي يقوم الصحفي بإجرائها تتطلب الموارد المادية والمعارف والوسائل اللازمة، وللحصول على هذه الاحتياجات يتوجب من الصحفي إقناع رئيس التحرير بأن موضوعه وتحقيقه يستحق الدعم والنظر فيه. وقد يمتلك رئيس التحرير علاقات معينة مع أفراد معنيين تجعله يضع قيود على الصحفيين بعدم المساس والنظر بهم.
ومشكلة الوصول للمعلومات من المعضلات التي يجب على الصحافة التعامل معها؛ فأغلب الأفراد لا يرغبون بالتحدث عن الأفعال الخارجة عن القانون التي رأوها حتى ولو بمعلومة صغيرة، والوصول للوثائق المطلوبة والدلائل قد يكون خيارًا مستحيلًا في بعض الأحيان. ولعل المسبب الحقيقي للقيود التي تفرضها المؤسسات وصعوبة الوصول للمعلومات يعود المعرقل الأكبر يتمثل بالأشخاص الذي تقع في أيديهم السلطة.
تنقسم السلطة التي يفرضها أصحاب النفوذ على الصحافة بالعالم إلى قسمين:
* الاحتكار الجزئي: كما حدث في أحد البلدان التي تقوم فيها الرقابة بملاحقة الصحافة من بداية الحصول على المعلومات لباب المطبعة؛ ويتم في هذه الأثناء حذف أي محتوى من شأنه المساس بالسلطات ودوائرها لتجنب إزعاجهم. وحتى لو كانت المؤسسة قادرة على الإفلات من أيدي الرقابة وقامت بطبع الصحف بالمقالات والمعلومات بشفافية ومهنية وفات الأوان عن التغيير منها، ستتم مصادرة هذه الصحف من بعد خروجها من المطابع مباشرة، وذلك عن طريق إرسال قوات الشرطة والمخابرات لجمعها من نقاط التوزيع قبل وصلها لأيدي القارئ.
* الاحتكار الكامل: لعل هذا الاحتكار أشد بأسًا كون الدولة تتحكم بشكل كلي على القطاعات الإعلامية والصحفية؛ فهي المسؤولة عن تحديد جهات الطباعة والتوزيع والأفراد العاملين لدى الصحافة، فتملي عليهم الأخبار التي يتم نشرها وقواعد كتابتها والأسعار الخاصة بها كما يحدث في فنزويلا وبولندا. وإذا لم تنصع هذه الجهات للأوامر يتم حرمانها من الحصول على الورق والمواد الخام المحتاجة لتصنيعها.
وإذا لم ينصع الصحفي لهذا الاحتكار سواء كان جزئي أو كلي قد ينتهي الأمر به بالتعرض للضرب والتنكيل والاعتقال وفي بعض الأحيان يصل الأمر للإغتيال، والمؤسسة أيضًا لا تفلت من التهديد؛ فيتم التوعد بإغلاقها والتعامل مع الموظفين الذي يعملون فيها بما فيهم رئيسهم.
وفي بعض الأحيان لا يكون المصدر الوحيد للتعنيف التي يحصل عليه العاملين في مجال الصحافة والنشر المؤسسات التي تكتب وتصدر المجلات؛ ففي المكسيك مثلًا حدث العديد من الحوادث التي تعرض فيها الأفراد الذين يبيعون الصحف للتهديد أو القتل لعدم شعور القراء بالرضا عن المحتوى الذي تقدمه المقالات، فالشخص الذي ينفذ من أيدي الشرطة والمخابرات والسلطات العليا قد ينتهي به الأمر بالموت على أيدي الشعب نفسه.
مع أن حرية الصحافة عند الدول الأجنبية أوسع وأكثر حرية من دول العالم الثالث، لكن في الصين مثلًا تعد الصحافة وحرية الحصول على المعلومات فيها مقننة بحق وتصنيفها في
حرية الصحافة العالمية منخفض بشكل مخيف وصادم لدولة ذات انفتاح وقوة اقتصادية كبيرة. فالشعب فيها غير قادر على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الأجنبية ومحكوم باستخدام البدائل التي صنعتها الحكومة الصينية. فمع أن جمهورية الصين انفتحت في سبعينات القرن الماضي على الرأسمالية التي سمحت لها بالوصول في اقتصادها ليصبح الثاني على العالم، لكن بعيدًا عن القطاع الاقتصادي ما زال الحزب الشيوعي يحكمها في بقية جوانبها.
فالاقتصاد الصيني في تزايد ونمو ضخم قد يتجاوز الاقتصاد الأكبر المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية، مما زاد من عدد الأفراد في الطبقة الوسطى في المجتمع الصيني، لا يوجد حتى الآن أي يؤشر يدل على تحسن حرية التعبير والصحافة لديهم. لعل حرية الصحافة العربية حاليًا في تحسن ضخم مقارنة بالعقود السابقة لكنها بكل تأكيد غير كافية وتحتاج للحصول على المزيد من الصلاحيات التي تجعلها تقوم بعملها بشفافية تامة دون الخوف من العواقب.