أظن أن أغلب من يمارسون القراءة كعادة منتظمة لا يشعرون أنهم يسيرون على نظام أو منهجية محددة، بل يرون نفسهم عشوائين، هذا إن كانوا قد فكروا بالموضوع قبلًا. إن عدم تحديد منهجية لا يشكل مشكلة ذات أهمية، إلا أن وضع واحدة من شأنه تسهيل الأمور والسير في طريق متنوع من المجالات والإنجاز في أوقات محددة وقياسية.
بالنسبة لي، فأنا لا أتبع المنهجية نفسها دائمًا، بل أضع خطة محدد لفترة زمنية معينة ثم أقوم بتغييرها مع انتهاء المدة حتى أفسح مجالًا للمزيد من التجارب والخبرات. لكن وبشكلٍ عام؛ الاختلافات ليست بكثيرة.
سأحاول شرح منهجية أضعها على مدى شهرين تقريبًا، حيث أقضي ما يعادل الأربع ساعات في اليوم في القراءة، أو حسب ما تسمح لي أشغالي. أختار أولًا كتاب في الأدب، وغالبًا ما تكون رواية أو بعض الأشعار لكاتب معروف. كتب الأدب من هذا النوع اعتمد قراءتها بالعادة كفواصل بين كتبٍ أخرى، فلا أعطي فترة كاملة لرواية لوحدها، بل أقرأ كتاب في علم النفس مثلَا في نفس الوقت. بعد الانتهاء من الإثنين أبحث عن كتاب جديد في مجال تخصصي بغض النظر عن المؤلف، إنما يكون التركيز على معرفة جديدة في مجال دراستي حتى أبقى على اطلاع مستمر ولا أفقد ما تعلمته.
هنالك مواضيع مهمة أخرى أختار منها بشكلٍ عشوائي، فأحيانًا أقرأ شيئا في الأدب العربي أو اللغة العربية وثقافتها بشكل عام، وأحيانًا أبحث في أحد العلوم حتى أجد شيئًا يجذبني فأختار قراءته. وأما الأمور التي أحافظ على قراءتها فهي الدين، الفلسفة والسياسة، فأحاول قدر الإمكان أن أفتح مجالًا لهذه المواضيع بين سطور خطتي لكن بلا ضغط أو تزاحم.
وإن بدا ما أقرأه كثيرًا، إلا أنني في الواقع أعطي الكثير من الوقت لكل عمل، وبالطبع إن بعض الأوقات تعتمد على حجم الكتاب الذي أود قراءته. فإن كان الكتاب كبيرًا جدًا ومهمًا، فألجأ عادةً إلى التنازل عن كتاب آخر لأُكثّف تركيزي على الأول، أو أعطيه المزيد من الوقت إن احتاج لذلك.
يمكن أن تتوضح الأمور أكثر لو أعطيت مثالًا مفصلًا لما قرأت في الأشهر الماضية. وإن كانت هذه ليست المنهجية المعتمدة في كل مرة، إلا أنها - كما قلت سابقًا - لا تختلف كثيرًا عن الأخريات.
بدأت منذ شهرين قراءة رواية "الشياطين" لكاتبها الروسي دوستويفسكي، وأذكر أنني حمّلت نسخة من الكتاب على شكل ملف PDF على هاتفي حتى أستطيع أن أستغل أوقات الانتظار التي أقضيها خارج المنزل في المواصلات أو انتظار الدور في البنك مثلًا وما إلى ذلك. في نفس الفترة أخترت كتابًا للطبيب سيجموند فرويد؛ "تفسير الأحلام". وبسبب الحجم الكبير للكتابين وحاجتهما الكبيرة للوقت والتركيز، اكتفيت بهما خلال تلك الفترة وأضفت كتابًا للفيلسوف نيتشه؛ "هكذا تكلم زرادشت" في حال انتهيت من الكتب السابقة قبل انتهاء الفترة التي حددتها لهما.
لكن إضافة لما سبق، ولضيق الوقت؛ كنت أقرأ بعض المقالات عن تأثير الحروب على الأدب العالمي والإنجليزي بشكلٍ خاص. وهذا هو مجال دراستي - في الأدب - الذي أحاول أن أبقى مطلعًا عليه قدر الإمكان.
وفي النهاية، لكلٍ منا منهجية تناسبه أكثر من غيرها، ولا ضير في الخروج عن الخطط في بعض الأحيان، فالمهم هو الاستمرار بالقراءة وليس العدد.