ما هي الطرق التي تنصحني بها لحل مشاكل سوء التفاهم بيني وبين شريكتي؟

1 إجابات
profile/مغيداء-التميمي
م.غيداء التميمي
مهندس مدني
.
٢٧ فبراير ٢٠٢١
قبل ٤ سنوات
 إجابة هذا السؤال مهمة جدا، خاصة للأشخاص الصريحين الواضحين والذين يشعرون بأن الآخرين يفهمونهم بطريقة خاطئة دون معرفة السبب، وسأحاول قدر المستطاع أن أشرح لكم لم يقال عن الشخص العملي والصريح والمباشر بأنه يفتقر للذوق، خاصة إذا كانت أنثى. 

في مجتمعنا يوجد عدة ثقافات فرعية متعددة داخل الثقافة العامة السائدة، فأحيانا التواصل داخل مجتمعاتنا يتبع نفس قواعد التواصل عبر الثقافات، وكأننا نتحدث بلغات مختلفة. 

دائما ما أستغرب من الناس، لم لا يقولون ما يريدونه بوضوح وصراحة؟ لم لا يوفرون على أنفسهم الوقت والمجهود المبذولين في التخمين والتفسير والقراءة بين السطور؟ لم أفهم يوما سبب اللف والدوران والكلام المبطن والتلميح والتلقيح. وأفكر، لم لا يخبرني فلان ما يريده مباشرة؟ 

لكنني مؤخرا اكتشفت أن أسلوبي المباشر في التواصل مختلف تماما عن الثقافة العربية المتعارف عليها، وأن هناك الكثيرين غير ممن يعانون نفس المشكلة، لأنهم لم يتعلموا (كود) التواصل المعقد الموجود داخل مجتمعنا إما بسبب تربيتهم في دولة أجنبية وإقامتهم في الخارج، أو أن أسرهم مكونة من جنسيات مختلفة، أو عملهم مع أشخاص غير العرب، مما يحتم عليهم توضيح ما يريدونه مباشرة وبوضوح لتفادي سوء الفهم.

أنا من الأشخاص الذين نشأوا في دولة أجنبية، في أسرة متعددة الجنسيات واللغات والثقافات والأديان، وكنت خارج العالم العربي، واستمريت في التعامل والعمل في نفس البيئة، وبالتالي فإن أسهل طريقة لجعل الآخرين يتفاهمون بأقل قدر من سوء الفهم، هي بأن نتبع جميعنا الأسلوب الغربي بالتحدث مباشرة ووضوح ليتم التواصل الفعال، بحيث تعبر عن نفسك بوضوح واختصار بدون تورية وكناية واستعارات لغوية ومحسنات بديعية، فتطلب ما تريد، وتعترض على ما لا يناسبك، وتشجع ما تراه مناسبا، وتستفسر عما لا تفهمه، و تشكر من يقدم لك خدمة معينة، وتعاتب بأدب من ضايقك، وهكذا. وهي طريقة ناجحة جدا في التواصل مع الثقافات المختلفة بأقل قدر من سوء الفهم، إلا في ثقافتنا العادية العربية. 

في بعض الأحيان ارى نظرات في عيون الناس، وكأنهم يستغربون طريقتي، وكأنهم يبحثون عن المعنى المبطن في كلامي، لأنهم مقتنعون أن هناك معنى داخلي لكلامي، لأنني صريحة و عملية وبسيطة وعلى طبيعتي، ولا أحب التمثيل والتكلف، على عكس ما اعتادوا عليه، فيستغرب الآخر من طلبي المباشر للأمر الذي أريده بدون مقدمات خاصة أنني أنثى.
في ثقافتنا العربية من المفروض أن السيدات عليهن التحمل والسكوت، وإذا أردن أن تعترضن على أمر ما فذلك يكون بالكثير من الحذر والرقة والطبطبة على الشخص المخطئ وكأنه طفل صغير، لمجرد أن تحافظ على مظهرها الخارجي، لئلا يقال عنها سيدة عنيفة، لأن كلام الناس من أهم الأمور التي يحرص عليها أفراد المجتمع. وللأسف بالنسبة لهم فإن المنظر أهم من الجوهر، وأنا ضد هذا المفهوم تماما، ولن أشارك فيه البتة.

يؤسفني جدا أن نفس المجتمع الذي يقول عن فلانة العملية التي تحافظ على نفسها في التعاملات ويصفها بأنها تتشبه بالرجال وعنيفة وشرسة، سيقول عنها أمور أقبح بكثير لو أنها شاركتهم أنوثتها في التعامل، لذلك الافضل بنظري هو الثبات على المبدأ لأن الناس سيتحدثون بالسوء في كلتا الحالتين، وفي النهاية رأيهم بالنسبة لي لا قيمة له ما دمت واثقة بأنني أتصرف بطريقة صحيحة، ولا أرتكب فعلا خاطئا.

أما علميا، فالفرق في هذين النوعين من التواصل هما كما يلي: في الثقافة العربية والتي هي كالثقافات الشرقية الأخرى عموما، ومنها الثقافة الآسيوية، تفضل هذه الثقافات والمجتمعات الأساليب الغير مباشرة في التواصل، والتلميح بدل التصريح، واللف والدوران بدل المباشرة والوضوح، وبالتالي فإن الأسلوب الواضح والصريح والمباشر لا يرغبونه لأنه يفتقد للمحسنات أو المكياج الذي اعتاده الناس حول المعنى الذي يريدون إيصاله، و يفتقد للرموز المتفق عليها لإيصال المعاني المستترة للكلام المعلن، وبالتالي لو تحدث معهم شخص لا علم له بالكود، فسيشعر بالتيه وكأنه لا يفهم اللغة، لأنه يظهر وكأنك تقول شيئا و تقصد شيئا آخر، والطريقة الوحيدة لفهم الكلام هي بأن تكون مسبقا تحفظ هذا الكود الاجتماعي لفك الشفرة المعقدة، وحتى لا تفهم الآخرين بصورة خاطئة، ولكي لا تشعر بأنك غريب اجتماعيا وكأنه ينقصك أمر ما، ولا تتقوقع وتبعد عن الناس لتفادي سوء الفهم.

في المقابل لو اتبعنا الأسلوب العكسي تماما، أي الطريقة الغربية في الحديث مباشرة بدون كود وبدون إهدار الجهد في تأليف و فهم الكلام الغامض وعدم الخداع في الكلام، وبدون إخفاء للحقيقة، واستعمال الكلام المفهوم بدون التسبب في توجس أو شك أو سخرية أو استهتار من قبل الطرف الآخر، وبإخبار الآخر برأيك مباشرة، حتى لو كان الأمر مؤلما، إلا أنه أفضل بكثير لأنه لن يكون سببا في سوء الفهم.لذلك فإن العلاقات الإنسانية والأسرية والحياة الاجتماعية بشكل عام تراها أبسط بكثير في أسلوب الحياة الغربي، وأقل عرضة للمشاكل. 

ينتج سوء الفهم نتيجة عدة أمور، أولها أن الشخص المباشر والصريح يصدق تماما وحرفيا ما يقال له، رغم أن ما يسمعه قد يكون واجهة كاذبة  لمعنى آخر يتم تجميله، وعندا تقوم أنت بتصديق ما يقال لك حرفيا، يعتبرك الناس انك انت  الساذج والمخطئ لعدم فهمك المعنى الحقيقي للكلام. كما أن الناس لا يرون أن الكذب والرياء والتجميل أنه أمر خاطئ أو محرم، بل يرونه شيئا عاديا وليس القصد من ورائه أي سوء. كما أنهم يبحثون بين السطور عن المعنى الخبيث لكلامك الصريح، ولا يصدقون أن تقول الأمر ببساطة ووضوح وليس وراءه معنى باطني آخر.

للطريقة الشرقية في التعامل والتفكير عوائق ضخمة جدا في التواصل الإنساني الفعال سواء في العلاقات العاطفية أو داخل الأسرة أو في مكان العمل، ورغم أنني أنا شخصيا فهمت الأمر، إلا أنني ابدا لن أستخدم هذا الأسلوب في الحوار والتواصل، و بصراحة شديدة لا أشجع أحدا على تعلمه واتباعه، قد تتعلمه بسبب البيئة التي تعيشها فتعرف كيف يفكرون من حولك، إلا أنني أرجوك أن لا تتعامل به، لأن الحياة أبسط وأقصر من أن نعيشها في فك شيفرات كل شخص نقابله، و خوض الأفكار بسبب سوء الفهم الناتج عن القراءة الخاطئة لما بين السطور، وتأليف سيناريوهات أغلبها غير صحيح، كل ذلك نتيجة عدم التحدث مباشرة.

إن الأمر يسبب لحياتنا الاجتماعية الحزن والبؤس والتعاسة والمشاكل، فالأسلوب الملتوي الذي نستخدمه في الكلام، هو أقصر طريق لسوء الفهم و خلق الكره والمشاعر السلبية والاختلافات لذلك أرى أن الأفضل لك وللآخرين أن تتحدث وتتعامل بالطريقة المباشرة، وفي النهاية لك حرية اختيار الأسلوب الذي يناسبك.