الحكمة منها أن الخلوة من دواعي افتتان الرجل بالمرأة وتسويل الشيطان بالزنا، فمنع الخلوة فيه منع سبب من أسباب الفاحشة وبالتالي المحافظة على المجتمع المسلم نظيفاً من هذه الكبيرة.
والزنا هو الفاحشة الأعظم التي حذر الله منها عباده وقرن تحريمها بتحريم الشرك وتحريم قتل النفس التي حرم الله، لأن الزنا في حقيقته قتل للمجتمع المسلم بتفكيك أسره واختلاط أنسابه.
والزنا لا يحصل غالباً مباشرة دون مقدمات بل لا بد له من مقدمات توصل إليه والشارع الحكيم سبحانه كما حرم الزنا فإنه حرم كل أسبابه ودواعيه ومنع الاقتراب منها، فقال سبحانه (ولا تقربوا الزنا..)، فهو لم يحرم الزنا فقط بل حرم الاقتراب منه، وهذا يقتضي البعد عن طريقه وأسبابه التي تقرب منه.
ولا شك أن خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية التي لا تحل له فيه داع عظيم من دواع الزنا، فميل الرجل للمرأة وميل المرأة للرجل هو ميل فطري غريزي لا يمكن جحوده وإنكاره، والنفس كل ممنوع عنها مرغوب لها، والشيطان له عمل بالتسويل والتمني وتصوير الحال على غير حقيقته، فإذا اجتمع الميل الفطري مع الرغبة النفسية مع تسويل الشيطان، وأمنا الفضيحة بكونهما بعيداً عن أعين الناس في خلوة، فالكارثة قاب قوسين أو أدنى من الوقوع!
فإذا وقعت الفاحشة وانقضت الشهوة وانتهت الرغبة ماذا تكون النتيجة؟
تفقد المرأة عذريتها وطهرها، ويتخلى عنها الرجل في الغالب لانقضاء غرضه منها، وقد ينتج عند ذلك حمل وولد لا ينسب إلى أبيه ويكون بشر حال إن كتبت له الحياة، وتقع المشاكل العائلية التي لا حصر لها إن اطلع أحد من الأسرتين على الحال!
فلو قابل العاقل بين قضاء شهوة دقائق معدودة بمفاسد قد تتبعه في قبره لعلم أي حمق وجهل وقع فيه.
قد يقول قائل: ولكن من قال أن الخلوة سينتج عنها ما ذكرت؟
والجواب: أن إنكارك أن خلوة الرجل بالمرأة تسهل وتدعو إلى الفاحشة إنكار للضروريات والبديهيات وكل واحد منا يجد هذا من نفسه ولا بد.
والفاحشة في الغالب لا تقع من أول خلوة ولكن استسهال هذه المعصية وهذه الخلوات ستكون عاقبته الفاحشة أو ما قاربها ولا بد وهذا مشاهد معروف والقصص في ذلك كثيرة.
لذلك جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان). (رواه أحمد والترمذي)
وقال سفيان الثوري: (ائتمني على بيت مملوء مالا، ولا تأتمني على جارية سوداء لا تحل لي)!
أما عقوبة الخلوة بالمرأة الأجنبية:
فلا يوجد لها عقوبة خاصة وإنما عليه تعزيز بحسب اجتهاد القاضي أو المؤدب، والتعزيز هي عقوبة موكولة إلى القاضي أو الحاكم المسلم، يقدرها بحسب اجتهاده بالنظر إلى الواقع وحال العاصي وتكرار المعصية وحجمها.
وأنبهك أخيراً أن ضابط الخلوة المحرمة هي ما أمن فيها الطرفان من نظر الناس إليهما ومعرفتهم بحالهما، بحيث لو أرادوا الفاحشة لم يجدوا مانعاً يمنعهم.
والله أعلم