النجوم النيوترونية، واحدة من أكثر الأشياء دهشةً في الفضاء. كثيفة بشكل لا يصدق، ومخيفة الخصائص. تدين النجوم النيوترونية بتواجدها لموت شيءٍ آخر، كبيرٍ جلل.و لكن كيف يمكن لشيء بهذه الصفات التواجد أصلاً؟ لعلّ من أكثر ما يثير الدهشة و العجب في موضوع النجوم النيوترونية على وجه الخصوص بالإضافة الى خصائصها المتطرفة، هي الطريقة العظيمة التي تتكون بها.
إن مرحلة حياة النجم يتم السيطرة عليها بشكلٍ عام من قبل قوتين بشكل هش و متّزن: جاذبية النجم التي تتجه نحو الداخل، و ضغط الإشعاع المنبعث جرّاء تفاعلات الاندماج التي تحصل بداخلها التي تحاول الفرار للخارج، كلاهما يشكلان توازناً توافقياً للنجم.
ففي قلب النجم تحدث تفاعلات اندماج أنوية الهيدروجين لتتحول بذلك إلى أنوية هيليوم، و تستمرّ في ذلك حتى تنضب كمية الهيدروجين الموجودة في النهاية.و إذا كانت كتلة النجم بعد ذلك كبيرة بما فيه الكفاية، و كمرحلة إندماج ثانية، يندمج الهيليوم إلى كربون. و تماماً كما ثمرة البصل، تصبح هذه النجوم على شكل طبقات تغلّف بعضهاالبعض، و التي تزدادُ ثقلاً كلما توجهنا إلى الداخل نحو مركز النجم. وكمرحلة إندماج ثالثة، يندمج الكربون الذي نتجَ إلى ذرات نيون و التي بدورها تندمج لتكون ذرات الأكسجين، ثم إلى سيليكون و تختم سلسلة الاندماج هذه بإندماج ذرات السيليكون لتكون الحديد و التي بدورها لا تمتلك القدرة على أن تندمج لتكون أي عنصر آخر جديد، و هنا فقط تتوقف سلسلة الاندماج، يموتُ النجم.
و لتوضيح ما حصل، فإن توازن القوى الناتج بين الجاذبية و الضغط الإشعاعي الذي تحدثنا عنه في البداية لم يعد له وجود، حيث أن سسلة الاندماج اختتمت بالحديد، و لأن ذرات الحديد لا تمتلك القدرة على الاندماج مجدداً، فإن احدى كفتيّ ميزان اتزان القوى قد اختل، قوة الضغط الاشعاعي الناتجة من جراء انبعاث الاشعاع من عملية الاندماج غير موجوده، و بهذا تنتصر الجاذبية، و تقوم بضغط مكونات النجم باتجاه المركز، بشكل مهول و سريع.
إن ما سيحدث الآن يمكن وصفه بأنه رائع و مخيف!
بسبب الضغط المستمر الذي تمارسه الجاذبية على مكونات النجم لتسحقها باتجاه الداخل، تندمج مكونات الذرات الأساسية ( البروتونات و الإلكترونات ) لتكوّن في النهاية النيوترونات. و مع استمرار الضغط المهول الذي يمكن تقريبه كانضغاط كرة حديدية بحجم الأرض لتصبح بحجم مدينة صغيرة!
نؤكد على أن الإنهيار الناتج من الضغط لا يقتصر على المركز فحسب، و إنما ينهار النجم بأكمله ساحباً معه طبقات النجم الخارجية بسرعة تعادل ربع سرعة الضوء! و هو أمر جلل بالفعل. يرتد بالنهاية هذا الإنهيار عن النواة الداخلية على شكل موجة صدمة تنفجر باتجاه الخارج لتقذف ما تبقى من مكونات النجم في الفضاء، و هذا ما نسميه بانفجار السوبر نوفا Supernova الذي يطغى بريقه عندما يحصل بريق و إشعاع مجرات بأكملها.
بالعودة للنجم فإن ما تبقى منه هو نجم نيوترونيّ. تبلغ كتلته ما يعادل مليون مرة من كتلتة الأرض، الا أن قطره لا يتجاوز 25 كيلومتراً فقط! فلنتخيل مدى كثافته بتشبيهها بكثافة البشرية كاملة الموجودة على سطح الكرة الأرضية إذا تم ضغطها ووضعها في سم مكعّب واحد فقط! أليس هذا جنونياً؟ و باستخدام تشبيه آخر فهو كأن تضع جبل إيفيرست كاملاً في فنجان قهوة صغير!
و لعلّ أحد الخصائص المثيرة الأخرى عن هذا النجم النيوتروني أن جاذبيته مهولة جداً لتصبح ثاني أعظم جسم جاذب بعد الثقوب السوداء. و اذا كان النجم النيوتروني أكثر كثافةً بقليل، لأصبح فعلياً ثقباً أسوداً. ينحني الضوء عند مروره حول النم النيوتروني بسبب هول الجاذبية.