بكل صراحة، جميع الدروس التي تعلمتها واستفدت منها كانت نتيجة عدم تعلمي إياها مبكرًا، فلا أمتلك أي درس تمنيت لو كنت أعلم به قبل مروري بالتجربة التي علمتني إياه؛ فكما قالت هيلين كيلر "الحياة عبارة عن سلسلة من الدروس التي يجب أن نعيشها حتى نفهمها". لكن يوجد بعض الدروس التي لو كنت على معرفة بها كنت سأمضي أيامي براحة بال وطمأنينة أكبر، دروس كانت ستساعدني على فهم من حولي وفهم نفسي بشكل أفضل.
أول درس سيكون وبكل تأكيد أن المشاعر الوحيدة التي يجب أن تحملها إتجاه الشخص المؤذي هي الشفقة؛ فالشخص الذي يؤذي غيره قد تعرض للأذى من قبل، فذلك الذي يسخر من زيادة وزن شخص ما، قد تعرض سابقًا لمثل هذه السخرية لربما لزيادة وزنه أو حتى قلة وزنه، فأصبح لديه حساسية أو كما يطلق عليه البعض "عقدة" من هذا الموضوع، والأسوء من ذلك أنه قد عاش في بيئة قد جعلت من الخروج عن معايير الأشخاص المسؤولون عنه -كالوالدين مثلًا- جريمة كبيرة.
وأعتقد أن ما سيجعلك حقًا تشعر بالشفقة إتجاه هذا الشخص أنه يتصرف بهذا الأسلوب لأنه ما يزال يعيش داخل هذه التجربة وداخل الكلام الذي تعرض له، فالأشخاص المجروحون يجرحون غيرهم؛ لأن البشر يحبون الرفقة، لا نريد أن نكون الوحيدين الذين يشعرون بمثل هذه المشاعر.
فمثلًا الشخصية النرجسية تعرضت لكم كبير من القمع والتجاهل والكره منذ صغرها؛ فكبر النرجسي كشخص يحاول دومًا الدفاع عن نفسه وإثبات أنه على حق، ويطعم الناس من نفس السم الذي تذوقه منذ صغره، بسحبهم إلى الأسفل والتقليل من قيمتهم. ويفرح عندما يتلقى المدح؛ فالمدح يسعد ذلك الطفل الصغير المقموع الذي بداخله، الذي حرم من مثل هذه النوع من المعاملات.
فعندما تقابل شخص مؤذي في المرة القادمة تذكر أنه يفتقر التوازن النفسي والعقلي الذي يدفعه للتصرف بمثل هذا الأسلوب، وهذا الأمر ليس إلا مدعاة للشفقة. أن التصرف المؤذي الناتج عن الجروح السابقة أمر يمتلك الشخص خيار تركه وتغييره؛ لكنه لا يدرك حتى الأن أنه يمتلك هذا الخيار، ويشعر أنه ما يزال تحت رحمة ماضيه. فلا تأخذ الأمور بشخصية وادعو له من أعماق قلبك أن يجد السلام الداخلي يومًا ما.
الدرس الثاني يتعلق بالتوقعات العظيمة من الأخرين، يجب أن تدرك أن الناس لن يقدموا لك ما لم تقدمه لنفسك، ولن يقدم لك أي شخص كل ما تتمناه سوى نفسك أيضًا. فالكثير من الأحيان نتوقع من الناس أن يقدموا لنا الاحترام أو الحب أو الاهتمام الذي لم نقدمه لأنفسنا، أو نتوقع أن تقديمنا لبعض الأمور للناس يعد سببًا كافيًا لردهم إياها؛ فأنا أحبك فيجب عليك أن تحبني، أنا زرتك عند مرضك فيجب عليك زيارتي عند مرضي، أنا ساعدتك في مشكلتك فيجب أن تساعدني في مشكلتي.
هذا النوع من الأفكار متعب جدًا ويحولك لشخص يعتمد على اهتمام غيره ويفتقر الذكاء العاطفي، فلا تقدم المساعدة لأجل الشخص نفسه، قدمها فقط لأنك تريد من داخلك أن تقدمها، لا تهتم بمشاكل الأخر إذا كانت تتوقع أنه سيهتم بمشاكلك أيضًا. معاملاتنا اليومية مع بعضنا يجب أن تنبع من رغبة داخلية بالتقديم؛ فهي ليست ديون ندونها على بعضنا وننتظر ردها في يوم ما. توقعاتك العظيمة لا يجب أن تسقطها إلا على نفسك، الشخص الوحيد الذي تمتلك قدرة التحكم فيه وبأفكاره وتصرفاته.
أخبرني، هل سبق ومررت ببعض المواقف التي علمتك دروس مشابهة لدروس التي تعلمتها؟، هل كنت قادر على فهم الدروس بسرعة أم احتجت للمرور بالكثير من التجارب لفهمها؟