عندما كنت طالبة في المدرسة كنا ننشد نشيد موطني كل يوم بصوتٍ واحد، ولا أخفيكم أننا كنا أحياناً نتكاسل ونشعر أنه عبء ثقيل علينا وخصوصاً في أيام البرد القارس أو الشمس الحارقة، ولا شك أن المسؤولية هنا تقع على معلماتنا اللاتي لم يشرحن لنا يوماً معاني هذا النشيد ولم يوضحن لنا دورنا ومسؤوليتنا تجاه أوطاننا وعروبتنا وقوميتنا، فكنا نشعر كطالبات صغار بأن علينا أن ننشد هذا النشيد يومياً بلا هدف، حتى أنه ذات يوم عاقبت إحدى المعلمات طالبة لم تنشد النشيد بإجبارها على إنشاده في الإذاعة المدرسية بعد توبيخها أمام جميع الطالبات!
كيف سيشعر الأطفال والجيل القادم بأهمية هذا النشيد وعمقه وبواجبنا تجاه أوطاننا وبأن مثل هذه الأناشيد هي عبارة عن ثقافة يجب أن نورثها لأبنائنا وللأجيال القادمة ليحافظوا عليها، وليتشربوها داخلهم وليفهموا الرسائل الموجودة فيها؟ كيف سنحقق ذلك وهناك معلمات ومربيات أجيال يربطن الأناشيد الوطنية بالعقاب والتخويف؟! ألم يكن الأجدر بهذه المعلمة أن تقف أمام الطالبات وتوضح مدى أهمية هذا النشيد من خلال الإذاعة المدرسية! وأن تطلق مسابقة وتخصص جائزة لأفضل أداء لهذا النشيد!... هناك أفكار كثيرة يجب أن يتبعها المربون لتربية الأجيال على حب الأوطان، وبرأيي هذا أهم بكثير من تدريس المناهج التي يكون أغلبها نظري وغير مفيد على أرض الواقع.
لعل هذا الموقف بقي في بالي لفترة طويلة، فعندما كبرت عرفت معنى نشيد "موطني" وحملته في قلبي، ولما عملت معلمة لغة انجليزية ومعلمة موسيقى- أيضاً لأنني كنت أعمل في مدرسة صغيرة يدرس فيها المعلم نفسه أكثر من مادة، وكوني كنت أتقن العزف على عدة آلات موسيقية فقد كنت معلمة الموسيقى في المدرسة كذلك، كنت أحرص على أن أوصل معاني هذا النشيد للطلاب وأن أعلمهم كيف ينشدوه من قلوبهم، وكيف يجب أن يرفعوا رؤوسهم عندما ينشدوه، ولماذا يجب أن تعلو أصواتهم في مقاطع معينة وتخفض في مواقع أخرى؛ كما كنت أركز على كلمة "عزنا" بالذات وأدعوهم للنهوض ولتعلية الأصوات ورفع الرؤوس أكثر والتعبير بالوجه عن هذه الكلمة ليشعروا بعزنا نحن العرب الذي حدثتهم كثيراً عنه، فكان الأطفال يتسابقون في الأداء، وأحياناً كانت معلمة الصف الذي بجانبنا تشتكي علينا لأنها لم تكن تستطيع أن تكمل حصتها مع تعالي أصوات الأولاد في حصة الموسيقى وحماسهم! لكنني كنت أتفهم هذا طبعاً، وأصبحت فيما بعد أذهب بالطلاب للساحة لإكمال حصة الموسيقى التي كنت أعتبرها من أهم الحصص... فالموسيقى غذاء الروح، وعن طريق الغناء تستطيع أن توصل الرسالة التي تريد للعالم بحب وسلام... وصدق من قال "ابقوا حيث الغناء، فالأشرار لا يغنون"!
45 مشاهدة
