كان العربي وخاصة في الجاهلية اذا تأكد من أصالة فرسه وصفاء نسبه وسلامة عرقه وحسبه، كان لزاماً عليه المحافظة على هذا الكنز الدفين الذي يتماهى ويرتبط مع وجوده الإنساني؛ الذي هو رمز العزة و الكرامة ، وإلا فإن العربي إذا فقدهما صار وجوده هامشياً لا تربطه بحقيقة الوجود من نظرة عربية في الجاهلية أية علاقة حقيقية ؛ لهذا السب لعب الخيل دوراً عظيماً في حياة فارسه العربي، وأصبح أداته التي يدفع بها عن نفسه غوائل الأخطار, ويبذل من أجله الغالي والنفيس، ويجهد نفسه ويتعبها، ويقضي جل وقته في إعداده خيله إعداداً جيد وتدريبه تدريباً يواءم ما يؤول إليه , بحيث يعزز مقدرته على الصبر والجلد والثبات وشدة التحمل, وإليك أجمل الأوصاف التي ذكرت في الشعر الجاهلي للخيل:
أشهر ما وصف به الخيل ما جاء في رائعة معلقة امرئ القيس , يقول:
وَقَد أَغتَدي وَالطَيرُ في وُكُناتِها … بِمُنجَرِدٍ قَيدِ الأَوابِدِ هَيكَلِ
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ مَعاً … كَجُلمودِ صَخرٍ حَطَّهُ السَيلُ مِن عَلِ
كُمَيتٍ يَزِلُّ اللِبدُ عَن حالِ مَتنِهِ … كَما زَلَّتِ الصَفواءُ بِالمُتَنَزَّلِ
عَلَـى الذَّبْـلِ جَيَّـاشٍ كـأنَّ اهْتِزَامَـهُ … إِذَا جَـاشَ فِيْـهِ حَمْيُـهُ غَلْـيُ مِرْجَـلِ
مسح إذا ما السابحات على الونى … أثرن الغبار بالكديد المركل
يُـزِلُّ الغُـلاَمُ الخِـفَّ عَـنْ صَهَوَاتِـهِ … َيُلْـوِي بِأَثْـوَابِ العَنِـيْـفِ المُثَـقَّـلِ
دَرِيْــرٍ كَـخُـذْرُوفِ الوَلِـيْـدِ أمَـــرَّهُ … تَـتَـابُـعُ كَـفَّـيْـهِ بِـخَـيْـطٍ مُـوَصَّــلِ
له أيطلا ظبي وساقا نعامة … وإرخاء سرحان وتقريب تتفل
ضَلِيْـعٍ إِذَا اسْتَدْبَرْتَـهُ سَــدَّ فَـرْجَـهُ … بِضَافٍ فُوَيْقَ الأَرْضِ لَيْـسَ بِأَعْـزَلِ
كَأَنَّ عَلَـى المَتْنَيْـنِ مِنْـهُ إِذَا انْتَحَـى … مَـدَاكَ عَـرُوسٍ أَوْ صَلايَـةَ حَنْـظَـلِ
كأن دِمَاءَ الهاديات بنَحْرِهِ … عُصَارَةُ حِنَّاءٍ بشَيْبٍ مُرَجَّلِ
فَعَنَّ لَنَا سِرْبٌ كَأَنَّ نِعَاجَه … عَذَارَى دَوَارٍ في مُلَاء مُذَيَّلِ
فَأَدْبَرْنَ كَالْجِزْعِ المُفَصَّل بينَه … بجِيدِ مُعَمٍّ في العشيرة مُخْوِلِ
فَأَلْحَقَنَا بالهاديات ودُونَهُ … جَوَاحِرُهَا فِي صَرَّةٍ لم تزَيَّلِ
فَعَادَى عِدَاءً بينَ ثَوْرٍ ونَعْجَةٍ … دِرَاكًا ولمْ يُنْضَحْ بماءٍ فَيُغْسَلِ
يقول الأسعر الـجعفي:
إني رأيت الـخـيل عـزاً ظـاهراً
تـنجي من الغمى ويكشفن الدجى
ويبتن بالثـغـر الـمخوف طلائعاً
ويـثـبن للصعلوك جمة ذي الغنى
يخرجن من خلل الغـبار عوابـساً
كأصابـع المقرور أقعى فـاصطلى
ولقد علمت على تجـنـبي الردى
أن الـحصون الخيل لا مدر القرى
ويقول الفارس المغوار عنتر بن شداد:
مازلت ارميهم بثغرة نحره
ولبانـــــه حتـــى تسربل بالــــدم
فأزور من وقع القنا بلبــانه
وشكـا الي بعــــبرة وتحمحـــــــم
لوكان يدري ما المحاورة اشتكى
ولكان لو علم الكلام مكلـــم
ويقول عبيد ابن الأبرص في معلقته:
نَحْنُ قُدْنَا مِنْ أهَاضِيبِ المَلا الْـ
ـخَيْلَ في الأرْسَانِ أمْثَالَ السَّعالي
شُزَّباً يَغْشَيْنَ مِنْ مَجْهُـول الْـ
ـأرْضِ وَعْثاً مِنْ سُهُولٍ وَجِبـالِ
فانْتَجَعْنَا الحَـارِثَ الأعْرَجَ في
جَحْفَلٍ كاللّيْلِ خَطّــارِ العـَوَالي
يَوْمَ غَادَرْنــَا عَدِيّاً بالقَنَا الْـ
ـذُّبَّلِ السُّمْرِ صَرِيعـاً في المَجَالِ
ثُمّ عُجْناهُنّ خُوصاً كالقَطَا الْـ
ـقَارِبِ المَنْهَـلَ ممِنْ أيْنَ الكَلالِ
نَحْوَ قُرْصٍ يَوْمَ جالَتْ حَوْلَهُ الْـ
ـخَيْل قُبّـاً عَنْ يَمِـينٍ وَشمـال