تعرف العدمية أنها رفض جميع المبادئ الدينية والأخلاقية، والاعتقاد بأن الحياة لا معنى لها. يهدف هذا الموقف الفلسفي إلى أن العالم كله بما في ذلك وجود الإنسان، عديم القيمة وخال من أي مضمون أو معنى حقيقي، وحسب هذا المذهب ينحصر الأديب العدمي في تذكير الإنسان بحدوده حتى يستغل حياته استغلالاً عدمياً، وبذلك ينضج فكر الإنسان نضجاً يرفعه من مرتبة الحيوان الذي لا يدرك معنى العدم إلى مرتبة الأديب المدرك له، والذي يلغي الفواصل المصطنعة بين العلم والفن، فالعدم هو الوجه الآخر للوجود.
ما هو تاريخ نشأة العدمية؟
أن التعبير "العدمية" أصبح شائعاً على يد الروائي الروسي إيڤان تورگنييڤ (1818-1883) في روايته الآباء والأبناء، إلا أنها ظهرت على الساحة الفلسفية لأول مرة من فريدريش هاينريش ياكوبي (1743–1819)
إذن برزت العدمية في روايات الواقعية النقدية لگوستاڤ فلوبير (1821-1880م) وأنوريه دي بلزاك (1799-1850م )وفي أعمال الطبيعة الانطباعية لأميل زولا(1840-1902م) في القرن التاسع عشر إلا أن الأديب الفرنسي جوستاف فلوبير هو المعبر الأول عن العدمية في رواياته، ثم أصبحت مذهباً لعدد كبير من الأدباء في القرن التاسع عشر.
ويعد الشاعر والناقد گوتفريد بن 1886-1956 من أبرز العدميين الذين وضحوا معنى العدمية كمذهب أدبي، إذ قال بأن العدمية ليست مجرد بث اليأس والخضوع في نفوس الناس، بل مواجهة شجاعة وصريحة لحقائق الوجود.
ما هي أبرز ملامح العدمية؟ أفكارها ومعتقداتها
-إن الإنسان خلق وله إمكانات محدودة وعليه لكي يثبت وجوده، أن يتصرف في حدود هذه الإمكانات، بحيث لا يتحول إلى يائس متقاعس أو حالم مجنون.
-إن البشر يتصارعون، وهم يدركون جيداً أن العدم في انتظارهم وهذا الصراع فوق طاقتهم البشرية، لذلك يتحول صراعهم إلى عبث لا معنى له.
-العمل الأدبي يثبت أن لكل شيء نهاية، ومعناه يتركز في نهايته التي تمنح الدلالة للوجود، ولا يوجد عمل أدبي عظيم بدون نهاية وإلا فقد معناه، وكذلك الحياة تفقد معناها إذا لم تكن لها نهاية.
-الرومانسية المثالية في نظر الأديب العدمي مجرد هروب مؤقت، لا يلبث أن يصدم الإنسان بقسوة الواقع وبالعدم الذي ينتظره، وقد يكون في هذا الاصطدام انهياره أو انحرافه.
-إن اتهام العدمية بالسلبية وإشاعة روح اليأس، يرجع إلى الخوف من لفظ العدم ذاته وهذه نظرة قاصرة، لأن تجاهل العدم لا يلغي وجوده من حياتنا.
-العدمية ليست مجرد إبراز الموت والبشاعة والعنف والقبح، ولكن الأديب العدمي هو الذي ينفذ من خلال ذلك إلى معنى الحياة، وبذلك يوضح بأن العدم هو الوجه الآخر للوجود، ولا يمكن الفصل بينهما، لأن معنى كل منهما يكمن في الآخر.