إن الكتاب الذي سأحدثكم عنه اليوم هو بدون أية مبالغة من أهم الكتب التي قرأتها طوال حياتي، من الممكن أن يغير حياة أي شخص بشكل كبير جدا، وأجزم أنه سيشدكم و سيؤثر في حياتكم، اسمه The Power of Now، أي قوة الآن، للكاتب ألماني المنشأ ولكنه كندي الجنسية، اسمه "إيكهارت تول"، له مؤلفات عدة، ولكن هذا الكتاب كان أشهرهم و أنجحهم.
لقى هذا الكتاب استحسانا من العالم بصورة كبيرة جدا لدرجة أن المذيعة المشهورة أوبرا وينفري تكلمت عنه، وشجعت الناس الذين يتابعونها على قراءة الكتاب لأنه فعلا كتاب مختلف، بيع منه لغاية عام 2009 حوالي ثلاثة ملايين نسخة في الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا الكتاب من النوع الفلسفي، يعني أن الأفكار فيه أفكار فلسفية ومنطقية، وهو ليس من الكتب التي تعطيك خطوات معينة تتبعها ككتب التنمية الذاتية، إنما هو كتاب أقرب إلى كتب علم النفس و فيه إضافات لبعض المعتقدات، و إذا كنت تقرا هذا الكتاب، وأحسست بتشتت أو عدم تركيز، أو أنك وصلت إلى نقطة لم تفهمها، فإنني أنصحك بالتوقف و إعادة القراءة مرة أخرى، لأن كل كلمة في الكتاب ستفرق معك في المعنى الذي يصلك بصورة كبيرة جدا. وأنصحكم أيضا بإكمال الكتاب إلى نهايته لأنه في كل صفحة، سيضيف لك الكتاب معتقدا جديدا، أو فكرة جديدة، أو معتقد جديد، لو فكرت فيه بعمق، ستجد أن حياتك فعلا ستتغير بسبب الفكرة الجديدة.
الفكرة الأولى الموجودة في الكتاب تشرح معنى "قوة الآن" وهي الفكرة الرئيسية الموجودة في الكتاب، وهي باختصار تقول أن كثير منا يعيش حياته وهو إما أنه يفكر فيما حصل معه في الماضي، ويندم على إخفاقاته وفشله الذي حصل سابقا، أو أنه يفكر في المستقبل وما سيحصل به وما هي أحلامه للسنوات القادمة وقلقة مما قد يأتيه، أي أن الناس إما تفكر في الماضي أو في المستقبل، وبالتالي أنت لا تعيش اللحظة التي تعيشها حاليا الآن، والكتاب كله مبني على هذه الفكرة الأساسية، أن لا تعيش الماضي بأوجاعه وآلامه و الإخفاقات فيه وتجاربه، ولا تعيش في المستقبل بطموحاتك الزائدة، أو توقعات مبالغ بها، أو قلق غير مبرر منه، بمعنى أصح أن نعيش اللحظة الموجودين فيها وعليها يكون تركيزنا الأساسي.
بحسب رؤية الكاتب، لا يوجد ماضي و مستقبل، وأن هذا المعتقد فعليا غير موجود في الحياة، وأن الحياة تساوي اللحظة الحالية فقط، أي اللحظة التي تعيشها الآن، إنما لحظات الماضي، ولحظات المستقبل، هي لحظات غير موجودة في الحياة، وليس لها أية قيمة.صحيح أن تجاربك في الماضي علمتك أن تتصرف بأسلوب ما مختلف في الحاضر، ولكن فكرة الماضي بحد ذاته غير موجودة، فأنت لا تستطيع أن تغير فيه شيئا، وكذلك أمر المستقبل.
يشبه الكاتب الحياة بآلة التصوير أو الكاميرا، وهذه الكاميرا تلتقط صور معينة، وهذه الصور تمثل الحاضر، أما الماضي أي الصور التي التقطتها من قبل، و المستقبل أي الصور التي ستلتقطها لاحقا هي صور غير موجودة في الحقيقة، وغير ملموسة، ففكرة أن تضيع من طاقاتك الذهنية في التفكير في أمر حدث قديما، أو في شيء قد يحصل مستقبلا، هذا يعني إطار الصورة الحالية، بكلمات أخرى، أنت لا تعيش الحياة طالما أنت مقيد بفكرة الماضي أو فكرة المستقبل، وفي الوقت الذي تبدأ فيه التركيز على حاضرك، تبدأ قدراتك الحقيقية بالظهور، وتبدأ تستمتع بالحياة الى درجة كبيرة، وهي ما يسميه الكاتب " فترة التنوير" وكأنك ترى الحياة من منظور آخر، وكأنك لم تكن على قيد الحياة قبل هذه اللحظة، وفجأة بدأت تتفتح لرؤية الأمور الجميلة الموجودة من حولك، والتي لم تكن تراها من قبل لأنك لم تكن تعيش اللحظة.
كما أنك عندما تصل الى فترة التنوير، تتغلب على أي ألم نفسي موجود بداخلك، حيث أن الألم النفسي هو إحساس المقاومة الداخلية الموجودة في كل واحد فينا نتيجة الظروف والأفعال والمتغيرات التي مررنا بها سابقا، و هذا الألم يمكنك التغلب عليه، عندما تبدأ بتقبل الأمور التي حصلت معك، وتنسبها للزمن الخاص بها، سواء كانت ماضيا أو مستقبلا، أو أن تتخلص من بعض الأمور التي تزيد الألم النفسي، يذكر منها الكبرياء والخوف والكراهية، وهذا كان تعريف الكاتب لفكرة الألم النفسي، التي تتلخص في المقاومة الداخلية.
وفي الواقع أن الأمر ليس بتلك البساطة، ففكرة أنك تتعرض لألم نفسي كثير في حياتك، يولد عندك الألم الجسدي، وكأن فكرة الألم النفسي قد تخزنت في مكان ما داخل جسمك، وهذه الفكرة تكون غير نشطة، لكن عندما يحصل معك أمرا -في الحاضر أو المستقبل- يذكرك بما حصل معك سابقا، تنشط عندك الفكرة الغير نشطة أي الألم الجسدي، وتشعر بالألم بصورة أخرى، وكأنه يعيش بداخلك كائن آخر، وهو موجود فيك نتيجة موقف حصل معك سابقا، وكان الموقف سيئا بحيث ترك فيك جرحا أو علامة، و عندما تتعرض لموقف مشابه للموقف السابق ولو قليلا، يبدأ الموقف الجديد بتنشيط الألم الجسدي الموجود بداخلك، ليرجع و يسبب لك ألما كبيرا، وهذا الألم قد لا يكون موازيا للموقف البسيط نسبيا والذي حصل معك في الحاضر. فتبدأ أنت بالتصرف بردات فعل كبيرة غير متناسبة مع حجم الموقف الحالي، وبدلا من أن تكون مشكلتك صغيرة، تتضخم، وتصبح مشكلة كبيرة، تولد ألم كبير، ويقوم هذا الألم الكبير بتغذية الألم الجسدي بداخلك من جديد، فتعيش في دائرة مفرغة من تكرر الألم، وبدلا من أن يخف، يستمر بالازدياد.
مثال على الكلام السابق، هو تحسس بعض الأشخاص بطريقة مفرطة لأمور التي هي أساس لا تسبب الحساسية لمعظم الناس، فتجد شخص على سبيل المثال، يتحسس من كلمة معينة، ويعتبرون التفوه بهذه الكلمة جريمة، وذلك لأن هذه الكلمة بالذات تقوم بإيقاظ الألم الجسدي الموجود بداخلهم، وهي ما يعكس أن الألم الجسدي المصاحب لهذة الكلمة سابقا كان ضخما ، وبالتالي، إن أمرا صغيرا كهذا يمكن أن يسبب مشاكل كبيرة لهم في المستقبل.
كما أن الموضوع لا يتوقف عند هذا الحد، يقول الكاتب، أن هذا الألم الجسدي الذي يعيش بداخلك، عندما يستمر في التضخم بداخلك، فإنك بطريقة ما تبدأ بالتعود عليه، إلى حد أنك قد تخاف من أن تفقد هذا الألم. بكلمات أخرى، يصبح هذا الألم للأسف جزءا من شخصيتك، فتحاول أن تحافظ على الألم بداخلك، والحل في هذه الحالة هو أن تبذل جهدك في أن تفصل الأمور التي حصلت معك سابقا، وأي أمر قد يحصل معك مستقبلا، وأن تركز على اللحظة الحالية التي تعيشها الآن.
هو كتاب رائع أنصح الجميع بقراءته.