هذه اللفظة جاءت في الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إنَّما مَثَلِي وَمَثَلُ ما بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقالَ: يا قَوْمِ، إنِّي رَأَيْتُ الجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وإنِّي أَنَا النَّذِيرُ العُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ، فأطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِن قَوْمِهِ، فأدْلَجُوا، فَانْطَلَقُوا علَى مَهَلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْ طَائِفَةٌ منهمْ، فأصْبَحُوا مَكَانَهُمْ، فَصَبَّحَهُمُ الجَيْشُ فأهْلَكَهُمْ وَاجْتَاحَهُمْ، فَذلكَ مَثَلُ مَن أَطَاعَنِي فَاتَّبَعَ ما جِئْتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَن عَصَانِي وَكَذَّبَ بِما جِئْتُ بِهِ مِنَ الحَقِّ. ".
وقوله " النذير العريان " هو مثل معروف عند العرب ،يقصد به الدلالة على شدة نصح الرجل لقومه وخوفه عليهم مما يضرهم من عدو ونحوه مع ظهور ما يصدق قوله من حاله وهو تعريه من ملابسه إما من فعل عدوه به حتى إنه خلص لهم بعد أن عراه العدو من ملابسه فهرب منهم بشق الأنفس وبلغ قومه ليحذرهم وهو على حاله هذه ، فكان تعريه دلالة على صدقه أوشدة حرصه على قومه وخوفه عليهم وعجلته لنصحهم .
فالنبي عليه السلام شديد الشفقة على قومه وأمته والحرص على ما ينفعهم كما وصفه الله بقوله ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم ) ،وهو مع شدة حرصه وشفقته جاءهم بما يدل على صدقه من المعجزات والآيات الواضحات الباهرات التي لا يماري فيها إلا معاند .
قال ابن حجر رحمه الله في بيان أصل هذا المثل وما روي من قصصه ومعناه في الحديث :
" قوله (وإني أنا النذير العريان ) قال ابن بطال النذير العريان رجل من خثعم حمل عليه رجل يوم ذي الخلصة فقطع يده ويد امرأته فانصرف إلى قومه فحذرهم فضرب به المثل في تحقيق الخبر .
قلت: وسبق إلى ذلك يعقوب ابن السكيت وغيره وسمى الذي حمل عليه عوف بن عامر اليشكري ، وأن المرأة كانت من بني كنانة . وتعقب باستبعاد تنزيل هذه القصة على لفظ الحديث ; لأنه ليس فيها أنه كان عريانا .
وزعم ابن الكلبي أن النذير العريان امرأة من بني عامر بن كعب لما قتل المنذر بن ماء السماء أولاد أبي داود وكان جار المنذر خشيت على قومها فركبت جملا ولحقت بهم وقالت أنا النذير العريان.
ويقال أول من قاله أبرهة الحبشي لما أصابته الرمية بتهامة ورجع إلى اليمن ، وقد سقط لحمه .
وذكر أبو بشر الآمدي أن زنبرا بزاي ونون ساكنة ثم موحدة ابن عمرو الخثعمي كان ناكحا في آل زبيد فأرادوا أن يغروا قومه وخشوا أن ينذر بهم فحرسه أربعة نفر فصادف منهم غرة فقذف ثيابه وعدا وكان من أشد الناس عدوا فأنذر قومه .
وقال غيره الأصل فيه أن رجلا لقي جيشا فسلبوه وأسروه فانفلت إلى قومه فقال إني رأيت الجيش فسلبوني فرأوه عريانا فتحققوا صدقه لأنهم كانوا يعرفونه ولا يتهمونه في النصيحة ولا جرت عادته بالتعري فقطعوا بصدقه لهذه القرائن.
فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - لنفسه ولما جاء به مثلا بذلك لما أبداه من الخوارق والمعجزات الدالة على القطع بصدقه تقريبا لأفهام المخاطبين بما يألفونه ويعرفونه .
قلت ويؤيده ما أخرجه الرامهرمزي في " الأمثال " وهو عند أحمد أيضا بسند جيد من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال " خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فنادى ثلاث مرات أيها الناس مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدوا أن يأتيهم فبعثوا رجلا يترايا لهم فبينما هم كذلك إذ أبصر العدو فأقبل لينذر قومه فخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه فأهوى بثوبه أيها الناس أتيتم ثلاث مرات . وأحسن ما فسر به الحديث من الحديث وهذا كله يدل على أن العريان من التعري وهو المعروف في الرواية ".
والله أعلم