قال الله سبحانه وتعالى: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ) سورة الصافات (11).
-والمقصود بالطين الازب: أي الطين اللزج الذي يلتصق بعضه ببعض ويكون ملتزق على نحو ثابت ويكون شديد اليبوسة. ومن هنا يبن الله تعالى أن خلق الإنسان ضعيف وبدأ خلقه من الطين وبعدئذٍ تكاثر عن طريق التناسل فلا ينبغي أن يتكبروا بإنكار النبي والقرآن المؤدي إلى هلاكهم اليسير على الله تعالى.
-فالطين الإزب: هو الطين الذي صار إليه بعد مكثه فترة من الزمن، فيكون بذلك هو الطين اللاصق، ومن المعروف أنَّ التراب بعد مزجه بالماء لا يصير كذلك ابتداءً بل يحتاج إلى فترة قصيرٍة أو طويلة حتى يُصبح متماسكاً متلاصقا، ثم إذا مكث الطين برهةً من الوقت تغيَّر لونُه وصار الماء الممتزج به آسناً مُنتناً فيصير الطين رخواً قابلاً للإنصباب والتشكُّل.
- وفي هذه الآية الكريمة يطلب الله تعالى من نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يستفت هؤلاء المشركين الذين أنكروا البعث بعد الممات والنشور بعد البلاء: يقول: فسَلْهم: أهم أشد خلقا من هذه المخلوقات؟ يقول: أخلقُهم أشد أم خلق من عددنا خلقه من الملائكة والشياطين والسموات وما فيها من نجوم وكواكب ومجرات والأرض والجبال والمحيطات والأبحار والأنهار والسهول؟
- ومرحلة الطين اللازب هي مرحلة من مراحل خلق الإنسان والتي تبدأ كما يلي:
المرحلة الأولى: الماء المهين (مني الرجل وبويضة المرأة) فالإنسان الأول تكوَّن من هذه المادة وبعدئذٍ تكاثر بواسطة التناسل، وهذا هو معنى: ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ﴾
المرحلة الثانية: مرحلة الطين: قال الله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ﴾ فهو بيانٌ للمرحلة الثانية التي تمَّ فيها مزج التراب بالماء حتى تطيَّن.
المرحلة الثالثة: مرحلة الصلصال كالفخار، قال الله تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّار﴾ (10) أي بعد أنْ بلغ الطين مرحلة القابليَّة للتشكُّل تمَّ تصوير الإنسان وتشكيله منه، وبعدئذٍ صار صلصالاً أي طيناً يابساً لو حرَّكته لكان لحركته صوتٌ وصلصلة عيناً كما هو صوتُ الفخَّار عند تحريكه ونقره أو احتكاكه بجسمٍ آخر.
المرحلة الرابعة: مرحلة الحمأ المسنون / قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ﴾ أي أنَّ هذا الصلصال وهو الطين اليابس كان قد تشكَّل عن الحمأ المسنون، وهو الطين المتغيِّر اللون الذي بلغ مرحلة القابليَّة للإنصباب والتشكُّل.
- وهذا بخلاف المراحل التي يمرُّ بها خلق الإنسان المنحدر عن السلالة، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ / ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ / ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ سورة المؤمنون (11).
- فمراحل خلق الإنسان في رحم أمه تبدأ بما يلي:
- التقاء الحيوان المنوي مع البويضة، وهي مرحلة النطفة.
- مرحلة العلقة: وهي عبارة عن قطعة لحم معلقة في جدار الرحم.
- مرحلة المضغة: وهي عبارة عن قطعة لحم ممضوغة كالعلكة.
- مرحلة العظام: وأول ما يتكون العمود الفقري ثم باقي الأطراف.
- مرحلة اللحم: بحيث يكسى عظام الجنين باللحم.
- مرحلة نفخ الروح وتكون بعد اثنين وأربعين يوماً كما ورد في صحيح مسلم عن حذيفة بن أسيد- رضي الله عنه -قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث اللّه إليها ملكًا، فصورها، وخلق سمعها وبصرها، وجلدها ولحمها وعظامها. ثم يقول: يا رب، أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب، رزقه؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك؛ ثم يقول: يا رب، أجله؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده، فلا يزيد على ما أمر ولا ينقص ".