هذا الحديث هو جزء من قصة هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم مع صاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولفظه " قلتُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونحن في الغارِ لو أنَّ أحدَهم ينظرُ إلى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنا تحتَ قَدَمَيْهِ فقال يا أبا بكرٍ ما ظَنُّكَ باثنينِ اللهُ ثالثُهُما " ، والحديث متفق عليه رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
ومعنى الحديث : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه يروي أنه لما خرج من مكة مهاجراً مع رسول الله ، فاختفيا في غار ثور ثلاثة أيام حتى يهدأ طلب الكفار وبحثهما عنهما ،اجتهد الكفار في تتبع آثارهما ، فتبعاها حتى وصلا إلى الغار الذي يختبئان فيه ووقفا على بابه ، فخاف أبو بكر على رسول الله خوفاً عظيماً ، وقال لرسول الله ما قال ، فكان جواب النبي له هذا العبارة العظيمة المليئة بالإيمان والتوكل واليقين " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " ثم قال له ما ذكره القرآن " لا تحزن إن الله معنا " !.
فالنبي عليه الصلاة والسلام يطمئن أبا بكر في هذا الموقف العصيب والحرج الذي تزيغ فيه الأبصار وتبلغ القلوب الحناجر ، أننا إنما خرجنا في سبيل الله ونصرة لدين الله ولأجل الله ولم نخرج لدنيا ، وقد أخذنا بما نقدر عليه من الأسباب الدنيوية ولم نقصر في شيء مما أمرنا بفعله ، فمن كان هذا حاله أيعقل أن يخذله ربه أو يكله إلى نفسه ويتركه مع عدوه ولا ينصره؟!
فلسنا وحدنا في هذا الغار بل معنا أعظم قوة في الكون وهو الله ، ومن كان الله معه فلا يضره من عليه ، فلو كادته الدنيا كلها وأراد الله حفظه ونصره فلن يضروه بإذن الله ، فالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
وهذا كقوله تعالى " أليس الله بكاف عبده ويخوفونك الذين من دونه " .
وهذا مرتبة عظيمة في اليقين والتوكل والاعتماد على الله سبحانه .
أما لماذا كانت هذه المنزلة الرفيعة حتى كان مع النبي في الغار في هذه اللحظة العظيمة ، واستحق أن يذكر في القران بلفظ "صاحبه " ،وحتى استحق أن يدخل في معية الله في لفظ "معنا " ، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء .
ثم إن هذا الفضل من الله له إنما كان بأمر وقر في قلبه وهو شدة تعظيمه لله ورسوله ، وعظيم إخلاصه ويقينه ، حتى صدق رسول الله في رحلة الإسراء بمجرد أنها خبر رسول الله فاسنحق لقب الصديق ، وهو الذي أنفق ماله كله في نصرة لله ورسوله ، فرضي الله عنه وأرضاه .
والله أعلم