قال الله تعالى: (وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26).
-أي أنزل الله تعالى الذين عاونوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم، من أهل الكتاب أي الذين هم أهل التوراة "اليهود"، ومن صياصيهم أي من حصونهم، وكان هذا في غزوة الخندق أو "الأحزاب".
وقد قال أحد أهل التأويل في هذا:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَأَنـزلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) قال: قريظة، يقول: أنـزلهم من صياصيهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وَأَنـزلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) وهم: بنو قُرَيظة، ظاهروا أبا سفيان وراسلوه، فنكثوا العهد الذي بينهم وبين نبيّ الله، قال: فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند زينب بنت جحش يغسل رأسه، وقد غسلت شقه، إذ أتاه جبرائيل صلى الله عليه وسلم، فقال: عفا الله عنك؛ ما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة، فانهض إلى بني قريظة، فإني قد قطعت أوتارهم، وفتحت أبوابهم، وتركتهم في زلزال وبلبال؛ قال: فاستلأم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سلك سكة بني غنم، فاتبعه الناس وقد عصب حاجبه بالتراب؛ قال: فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصروهم وناداهم: " يا إخوان القردة "، فقالوا: يا أبا القاسم، ما كنت فحاشا، فنـزلوا على حكم ابن معاذ، وكان بينهم وبين قومه حلف، فرجوا أن تأخذه فيهم هوادة، وأومأ إليهم أبو لبابة إنه الذبح، فأنـزل الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وأن تسبى ذراريهم، وأن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار، فقال قومه وعشيرته: آثرت المهاجرين بالعقار علينا قال: فإنكم كنتم ذوي عقار، وإن المهاجرين كانوا لا عقار لهم. وذُكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر وقال: " قَضَى فِيكُمْ بِحُكْمِ اللهِ".
- قال الطنطاوي في معنى صياصيهم:
" والصياصي: جمع صيصة وهي كل ما يتحصن به من الحصون وغيرها"
- وقال ابن عاشور في تفسيره:
" كان يهود قريظة قد أعانوا الأحزاب وحاصروا المدينة معهم وكان حُيَيّ بنُ أخطب من بني النضير منضماً إليهم وهو الذي حرّض أبا سفيان على غزو المدينة. فلما صرف الله الأحزاب أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يغزو قريظة وهم فريق من اليهود يعرفون ببني قريظة وكانت منازلهم وحُصونهم بالجَنوب الشرقي من المدينة تعرف قريتهم باسمهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عاد إلى المدينة من الخندق ظُهراً وكان بصدد أن يغتسل ويَستقر فلما جاءه الوحي بأن يغزو قريظة نادى في الناس أنْ لا يصليَنَّ أحدُكم العصر إلا في بني قريظة.
- وخرج الجيش الذي كان بالخندق معه فنزلوا على قرية قريظة واستعصم أهل القرية بحصونهم فحاصرهم المسلمون نحواً من عشرين ليلة، فلما جهدهم الحصار وخامرهم الرعب من أن يفتح المسلمون بلادهم فيستأصلوهم طمِعوا أن يطلبوا أن يسلموا بلادهم على أن يحكّم حكَم في صفة ذلك التسليم. ويقال لهذا النوع من المصالحة: النزول على حُكم حَكَم، فأرسلوا شَاس بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعرضون أن ينزلوا على مثل ما نزلت عليه بنو النضير من الجَلاء على أن لهم ما حَملَتْ الإبلُ إلا الحَلَقة، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبول ذلك وبعد مداولات نزلوا على حكم سَعْد بن معاذ، فحكم سعد أن تقتل المقَاتِلة وتُسبَى النساء والذَّراري وأن تكون ديارهم للمهاجرين دون الأنصار فأمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حكم به سعد كما هو مفصل في السيرة"
- والمرادف لكلمة صياصيهم: هي قلاعهم وأماكنهم المحصنة ضد العدو.