مخ الذبابة واحد من عجائب خلق الله تعالى، إذ قال في محكم كتابه العزيز: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ"، وقد أنزل الله هذه الآيات منبهاً على حقارة الأصنام وسخافة عقول عابديها، وقد ختم الآية الكريمة السابقة بقوله "ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ"، الطالب: الصنم، والمطلوب: الذباب، حسب ظاهر الآية.
أما عن ما يميز مخ الذبابة، فدعني ألفت نظرك لشيء، ربما تساءلت يوماً (مثلي) عن السبب الذي يدعو الذبابة أن تحوم حولك دون كلل أو ملل رغم أنك تطردها 20 مرة في الدقيقة. قد تكون وقتها أجبت نفسك بأنها ثقيلة دم مثلاً. في حقيقة الأمر وببساطة أن ذاكرة الذبابة ذاكرة مؤقتة، أي أنها تنسى بسرعة، فالأشياء التي تخزّنها سرعان ما تتلاشى في غضون ثوانٍ قلية وهذا يعني أنك في كل مرة تطردها فيها، تنساك فتعود لتضايقك مرة أخرى، وهكذا.
ومما يميز مخ الذبابة أنه صغير جداً لا يرى بالعين المجردة، فلا يبلغ وزنه إلا واحد على مليون من الغرامات، بالتالي تحتاج إلى مايكروسكوب لرؤيته.
تحتوي أدمغة الذباب على حوالي 100 ألف خلية عصبية، وبالمقارنة مع البشر فهذا العدد صغير جداً، فنحن البشر نمتلك ما يصل إلى 85 مليار خلية عصبية. هذا العدد من الخلايا العصبية لدى الذباب، مكّن العلماء من رسم خريطة للشبكات العصبونية، تضم هذه الخريطة أجزاء ملونة بالأزرق والأرجواني والأخضر، وتبين وتوضح منطقة محددة من الدماغ تمثل حوالي ثلث الحجم الكلي للدماغ، وتحتوي على مناطق خاصة بالذاكرة وأخرى بالحركة.
تكمن أهميتها في فهم سلوكيات الذباب وارتباط ذلك بالخلايا العصبية، فقالت دراسات أن الذبابة تمتلك ذاكرة سلوكية، نتيجة تعرّضها لروائح أو صدمات معينة، وهذا ما يدعى بالذّاكرة الشميّة.
إضافة لما سبق، فإنه معروف عن الذباب أنه رغم ذاكرته المؤقتة قصيرة المدى، فإنه يستطيع تخزين الأماكن المهمة والمميزة والفريدة، وذلك من خلال الذاكرة البصرية لديها.
وإذا أردنا وصف النظام العصبي لدى الذباب، فإنه يمكننا وصفه بأنّه متوسّط التعقيد، وهي لا تمتلك آلية واحدة للتعلّم تناسب جميع ظروفها، وإنما أنظمة التعلّم لديها مستقلة.