ماذا يمكنك أخباري عن الغجر؟

 

     أعتقد أن الكثير منا لا يعلمون الكثير عن الغجر، فنحن لا نرى منهم سوى مجموعاتهم المتنقلة على الدوام، وشكل معيشتهم الذي يبدو غالبًا وكأنه بدائي إلى حدٍ ما. سأحدثك هنا عن كل ما أعرفه عنهم..

     فيما يخص اسمهم فهو يعني الجماعة المترحلة بين قارات عديدة، إلا أنهم ملتزمون بعاداتهم وتقاليدهم. ويمارسون التجارة كعمل أساسي يدر عليهم المال، إلى جانب العزف في بعض الأحيان، وقراءة الطالع في أحيان أخرى. ومنهم من يعتمد على التسول، وآخرون يتعلمون المهن البسيطة ويمارسونها.

     أما عن الأصول التي يتبع لها الغجر فهي تحمل روايات وأقاويل عديدة؛ منها أن أصل الغجر من رومانيا أو المجر، وآخرون يقولون أن هؤلاء هم مجموعة عسكرية تجمعت من عدة قبائل في الهند من أجل قتال المسلمين، وبعد ذلك تنقلوا كثيرًا عبر البلاد، وتعلموا من تجوالهم الأحاديث والمفردات الرومانية وأخرى صربية.

     وبالطبع فإن الغجر ليسوا مجموعة واحدة، بل مجموعات مشتتة صغيرة منتشرة في كل من أوروبا وأفريقيا. وأما عن بداية ترحلهم فقد لاقوا إساءةً في المعاملة جرّاء مظهرهم المختلف عن المكان الذي يحطون فيه رحالهم لبعض الوقت، وربما ذاك أحد الأسباب التي دعتهم للاستمرار بالتنقل من مكانٍ لآخر. واليوم؛ من الممكن أن تراهم في أي مكانٍ بالعالم بعد أن انتشروا وتوسعوا.

     اتبع الكثير من الغجر ديانات مختلفة على حسب المكان الذي مرّوا فيه وأقاموا، فمنهم من كان كاثوليكيًا، ومنهم من كان مسلمًا أو أرثوذوكسيًا وديانات أخرى كذلك. أما عن اعتقاداتهم فإن لديهم الكثير من المحرمات، وكذلك عقوباتهم فهي شديدة. حيث إن أقدم شخصٌ على ذنب فإن المجموعة تنبذه لمدة طويلة تصل إلى عام، وربما يصل الأمر إلى نفي هذا الشخص من المجموعة نهائيًا. ولديهم عادة غريبة بعز المرأة ومولودها الجديد لمدة من الزمن بعيدًا عن الآخرين لاعتقادهم بأنها مدنسة هي ومولودها، والجيد في الأمر أن هذا يكون لفترة محددة فقط! 

     وكذلك فإن للغجر عادات وأفكار غريبة عن الآخرين، فمثلًا هم يمتنعون عن تعليم أطفالهم أو تعلم اللغات الأجنبية، ويمنعونهم أيضًا من الاختلاط بأطفال آخرين من بيئات مختلفة حتى لا يتأثرون بطباعهم أو عاداتهم. وحرمان الأطفال من التعليم ليس كليًا، بل يتوقف عن بلوغهم العاشرة من عمرهم تقريبًا، ثم يكملون علمهم في منازلهم وفي بيئتهم الغجرية حتى لا يخرجوا عنها وعن عاداتها. 

     وفيما يخص أمور الأسرة فهي بالنسبة لهم وحدة قوة أساسية وبالغة الأهمية، وهي غالبًا ما تكون ممتدة وكبيرة. أما الزواج فيكون للشاب في سن مبكرة، أي في منتصف مراهقته تقريبًا، والاختيار يكون من قبل العائلة بالطبع وحسب شروطهم. ويبقى الزوجين الجديدين يعيشان في منزل الأهل حتى يرزقا بمولودهم الاول، من بعدها يكون الاستقرار.

     ومع ذلك فإن للمرأة دورٌ مهم واحترامٌ كبير في المجتمعات الغجرية، أما عن السبب فهو عملها في قراءة الطالع ومعرفة المستقبل، والذي يجنون من خلاله الكثير من الأموال. حتى وإن المرأة يتم اعتبارها الشخص المسؤول عن إمداد الأسرة بالمال بالمقام الأول، أما الرجل فدوره يكون مساعدًا ومساندًا.

     أما الترحال الكثير للغجر جعل أعمالهم ووظائفهم محدودة، إذ أنهم دائمًا ما يبحثون عن مهنٍ تناسب تنقلاتهم الكثيرة، فغالبًا ما تكون أعمالهم على هذا الأساس بسيطة ومتنقلة. تكون هذه الأعمال كالتجارة الخفيفة، أو تجارة الخيول، أو الأعمال اليدوية والخشبية وربما المعدنية. وكذلك كان لأصلهم العرقي دورٌ مهم في اختيارهم لأعمالهم، فمثلًا كان غجر رومانيا يعملون في تدريب الحيوانات بغرض الاستعراض.

     أما عن أكثر أعمالهم شهرة فكانت الغناء والرقص الخاص بهم. حتى أن رقصة الفلامنكو الاسبانية كانت إحدى ابتكاراتهم التي تراها اليوم في كثير من الأماكن والمدن. ومع التقدم تغيرت الأمور وتطورت، فأصبح من يعمل بالمعادن يعمل بالمجوهرات، ومن يتاجر بالخيول أصبح يتاجر بالسيارات. 

     ورغم تاريخهم الطويل في العالم، إلا أنهم ما زالوا يتعرضون للعنف والنبذ والرفض لاختلافهم منذ زمنٍ بعيد وحتى أيامنا هذه.