نوضح للسائل بدايةً حكم الحلف على المصحف:
أجمع الفقهاء على
عدم جواز الحلف على المصحف لغير حاجة، أما إذا كان القصد تعظيم اليمين وتغليطه فيجوز له ذلك.
لأن الحلف على المصحف لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يرد عن الصحابة -رضوان الله عليهم-، إنما هو من
البدع التي استحدثها القضاة بعد زمن الصحابة تغليظاً لليمين، والتشديد على الظالمين ليكون أشد ردعاً وأكثر تخويفاً لهم من الكذب، لأنه بمجرد ما حلف الإنسان بالله تعالى انعقد يمينه ولا يشترط لذلك الحلف على المصحف.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" الحلف وهو اليمين والقسم: لا يجوز إلا بالله تعالى أو صفة من صفاته...، وإذا حلف بالله سبحانه وتعالى: فإنه لا حاجة إلى أن يأتي بالمصحف؛ ليحلف عليه، فالحلف على المصحف أمر لم يكن عند السلف الصالح، لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة، حتى بعد تدوين المصحف لم يكونوا يحلفون على المصحف، بل يحلف الإنسان بالله سبحانه وتعالى بدون أن يكون ذلك على المصحف".
أمّا إن فعلها المسلم
قاصدًا لها، ثم لم يفعل بالأمر الذي حلف به، فهنا ينعقد اليمين، وتنعقد عليه أحكام اليمين من
التوبة وأداء الكفارة، فعلى الحالف التوبة إلى الله تعالى توبة نصوحة، بالندم على ما فعل، وشعوره بالذنب تجاه المعصية التي ارتكبها (وهي حلف اليمين)، ثم الإقلاع عن فعل هذا الذنب، بأن يمتنع عن الحلف إلا لضرورة قصوى، وعدم التهاون في ذلك، وعزمه على ألّا يكرر مثل هذا اليمين.
ثم يجب على المسلم الذي يحلف يمينًا ليس صادقًا به،
أداء الكفارة الواجبة عليه، لقوله تعالى: (
إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) المائدة 89
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
"
الواجب على من حلف على ألا يفعل معصية: أن يثبت على يمينه، وألا يعصي الله عز وجل، فإن عاد إلى المعصية مع حلِفه ألا يفعلها: فعليه كفارة يمين، وهي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، والصوم لا يجزئ في كفارة اليمين إلا مَن عجز عن هذه الأشياء الثلاثة: العتق، والإطعام، والكسوة، وأما مَن قدِر: فلو صام ثلاثة أشهر: لا يجزئه.
كفارة اليمين: *كفارة اليمين تأتي على ثلاث مراتب حسب قدرة الإنسان، وهي:
1- إطعام عشرة مساكين من أوسط ما يطعم أهله، فيعطي كل مسكين نصف صاع من غالب طعام البلد، كالأرز ونحو، ومقداره كيلو ونصف تقريبا، وإذا كان يعتاد أكل الأرز مثلاً ومعه إدام وهو ما يسمى في كثير من البلدان (لطبيخ) ينبغي أن يعطيهم مع الأرز إداماً أو لحماً، ولو جمع عشرة مساكين وغداهم أو عشاهم كفى.
2- كسوة عشرة مساكين، فيكسو كل مسكين كسوة تصلح لصلاته، فللرجل قميص (ثوب) أو إزار ورداء، وللمرأة ثوب سابغ وخمار.
3- تحرير رقبة مؤمنة.
4- فمن لم يجد شيئا من ذلك، صام ثلاثة أيام متتابعة.
ومن هنا نذكر أنفسنا ونذكر أنفسنا بألّا يقدم الإنسان على الحلف إلّا لضرورة، وإن أمكنه عدم الحلف فليفعل، لقوله تعالى: (
وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) سورة البقرة: 224
ولو حلف الإنسان على شيء سيئ ثمّ رأى الذي هو خير مما حلف عليه من ترك البر والإصلاح بين الناس، فليحنث في يمينه، وليبرَّ، وليتق الله، وليصلح بين الناس، وليكفّر عن يمينه.
المراجع: