عندما أرغب في الكتابة إلى صديق مسافر، فإنني بكل تأكيد سأبدأ بقول أمور تشعره بالسعادة، فليس من المعقول أن أبدأ حديثي معه بما يشغل باله وفكره، ومن أجمل ما قد يمر في بالي هو تلك الذكريات التي جمعتنا معًا، فمثلاً سأبدأ بفقرات تشبه التالي:
- صديقي في المدرسة: لو جمعتنا ذكريات الدراسة في المدرسة فسأحدثهُ عن تلك المشاغبات التي قمنا بها معًا في الصفوف وساحة المدرسة، وقادنا بعدها المشرف إلى غرفة المدير، وعن العقوبات التي عوقبنا بها عندما حصلنا على علامات متدنية، وعن تلك الأمور التي كانت تحدث معنا ونحن عائدون إلى المنزل.
- صديقي في الحي: لو كانت علاقتنا في حدود الحي الذي نقطن فيه فسأتحدثُ إليه عن أصدقائنا في الحي ومغامراتنا معهم وذكريات طفولتنا وكل الأشياء التي جمعتنا معًا وسهراتنا في ليالي الصيف الجميلة وأحاديثنا التي لا تخلو من الضحك والسرور، وعن أيام رمضان وكيف كنا نجتمع معًا على موائد الفطور والسحور ونتناول معًا ألذ الحلويات، وسأحدثه عن مشاركاتنا في النوادي الصيفية ونوادي الرياضة، وسأحدثه عن العيد واستعداداتنا له وكيف كنا نجتمع معًا في صباح العيد ونتبادل أحاديث الصباح، وسأحدثه عن خروف العيد وزينة العيد وتجهيزاته وسأحدثه عن حفلات الزفاف والنجاح والتخرج التي كانت تقام في الحي ونجتمع ونرقص فيها حتى الصباح.
- صديقي في الجامعة: لو كان هذا الصديقُ صديقًا في الجامعة فسأحدثه عن أول يومٍ: يوم ذهبنا فيه لنسجل وكيف كنا نسأل عن كل شيء ولا نعرف شيئًا هناك، وكيف قابلنا الآخرين وتعارفنا حتى أصبحنا مجموعة كبيرة ندرس معًا ونخرج معًا ونتسامر ونضحك معًا، سأحدثه عن الأساتذة والمحاضرين، ولقاءات المطعم وسأحدثه عن آخر أيامنا في الجامعة وعن يوم التخرج وعن تجهيزاتنا وتدريباتنا، وكيف جاء الأهل والأحبة إلى تخرجنا وقد كنا في قمة سعادتنا، وتسلُّم الشهادات وتوديعنا للجامعة ولأركانها ولكل الأماكن التي جلسنا فيها معًا.
- صديقي في العمل: لو كان صديق لي في العمل فسأحدثه عن أول أيام الأسبوع وكيف نكون في كامل أناقتنا وصحوتنا حتى إذا تناهى الأسبوع أصابنا التعب والملل وننتظر نهاية اليوم حتى نعود للبيت، وسأحدثه عن اجتماعاتنا والزملاء وعن كل المشاوير التي قضيناها معًا، وعن الأماكن التي زرناها وجلسنا فيها والمطاعم التي تناولنا فيها الغداء، سأحدثه عن كل ذكرى جميلة جمعت بيننا فليس هناك ما هو أجمل من الذكريات لأثير الرغبة في الضحك لدى صديقي المسافر فيا لروعة تلك الأيام التي جمعتنا معًا! كم أتذكرها وأشعر بالسرور وأضحك بكل ما أوتيت من قوة كلما استرجعتها مغتبطًا!