لماذا نجد صعوبة بالغة في فهم نصوص هايدغر؟

بالبداية علينا أن نبحث في المواضيع التي يتطرق لها هايدجر لكي نفهم لما فهمه أمر صعب.. فهو ركز على ثلاثة مواضيع أساسية في كتبه: معنى الحياة, الأزمات التي تعيشها الحداثة, و الطريق نحو الحرية.

هذه المواضيع زخمة جداً و بحاجة إلى بحث مكثف. فهي تتطلب منا الإطلاع على السياق التاريخي و الثقافي و الإجتماعي للمجتمعات الحديثة لكي نفهم من أين بدأت الحداثة, و كيف نشخص مشاكلها, أيضاً بحاجة إلى أن ندرس مفهوم الحرية بشكل مكثف لأن هذا المفهوم يختلف من مكان إلى آخر و من شخص إلى آخر..

-معنى الحياة: فيرى هايدجر بأننا لم نعد ننتبه بأننا أحياء. بالتأكيد نظرياً نعرف بأننا أحياء و لكننا لسنا متصلين بشكل يومي بالتفكير باللغز العظيم لوجودنا كبشر و لا نحاول توجيه حواسنا لإدراك الطبيعة من حولنا, هذا الشعور أو هذه الحالة الذهنية أطلق عليها هايدجر مصطلح "DAS SEIN" أي معناها بالعربية "الكينونة" أو الوجود.. فنحن كبشر ننسى حقيقة بأننا أحياء و فقط نشعر بذلك في لحظات خاطفة, في الليل أو عندما نمرض, أو عندم نبقى وحيدين طوال اليوم, أو عندما نقوم برحلات التنزه. من هنا نبدأ بالإنتباه لكم غرابة الأشياء و تبدأ لنا تسائلاتنا بالتعبير عن نفسها " لماذا الأشياء وجدت بهذا الشكل" لماذا نحن موجود هنا و لسنا في مكان أخر". و في حياتنا اليومية نهرب من ذلك, العالم الحديث أنسانا أن نعيش لحظات هذه الكينونة, لأننا نخاف من مواجهة ما هو نقيض الوجود, ألا و هو العدم (DAS NICHT بحسب وصف هايدجر). المشكلة الثانية التي تلهينا عن جعل حياتنا ذات معنى هو أننا ننسى بأن كل شيء مترابط ببعضه. ففي أغلب الأحيان تجعلنا أشغالنا اليومية و مهامنا الخاصة أنانييين و مستغرقين في أمورنا الخاصة, فنعامل الآخرين من حولنا كوسائل و ليس كأشياء ذات معنى و قيمة.. هنا تأتي أهمية الطبيعة في إعطائنا هذا التبصر و أن تدخلنا في هذه الحالات من التأمل لوجودنا كأفراد و للوجود ككل.

فعلينا أن ندرك ما يسميه هايدجر "وحدة الوجود" و أن نفهم جيداً بأن كل شيء مترابط ببعضه, فهذه الشاشة التي تمسكها بيدك و هذا الموقع و أنا و أنت, جميعنا متحدون في العمق بالحقيقة الأساسية لوجودنا المشترك.. إدراكنا لوحدة الوجود سيساعدنا للقفز نحو أصالتنا و لكي نتغلب على عزلتنا و أنانيتنا كبشر, و نقدر بشكل أعمق الفترة العظيمة في وجودنا قبل أن يدركنا "العدم" DAS NICHT.

الحرية: يرى هايدجر بأننا ملقى بنا في العالم عند بداية حياتنا في محيط إجتماعي محدد و ضيق, محاطون بسلوكيات جامدة و تصبات و أراء و ثقافات قديمة, و ضرورات حياتية ليست من صنعنا. فيجب علينا أن تغلب على هذا الإلقاء (GEWORFENHEIT) من خلال فهم طبيعتنا لهذا الإلقاء جيداً, أن ندرك اأطر التي أنوجدنا بها. فنحن نحتاج إلى إدراك محدودية سلوكياتنا الإجتماعية و النفسية و العملية, و من ثم نرتفع فوقها نحو منظور أوسع لكي نعيش من أجل أنفسنا.

هذه مجرد أفكار بسيطة تبادرت لذهني من خلال فهمي لهايدجر و قرائته, و مهما كتبت أجد صعوبة في تبسيط الأفكار بسبب مدى تعقيدها و كثرتها عند هايدجر, و لكن أنا أؤمن جيداً بأن كل فيلسوف أو كاتب له مفاتيح أولية في الفهم, بإمكانك الإطلع على محاضرات دكاترة الفلسفة عن هايدجر فهي ساعدتني كثيراً في فهم محتوى هايدجر أكثر, سأضع محاضرة جيدة للدكتور Michael B Brezinsky, Ph.D.الذي يشرح بها هايدجر كمقدمة لفهمه أكثر

 https://www.youtube.com/watch?v=xFtVQz_o-fk