إني أأكد لك أنك بنظرة خاطفة على أغلبية الأشخاص من حولك ستستطيع أن ترى أن الأنانية جزء لا يتجزأ من شخصياتهم بلا شك. وأيضًا إن إنكار ذلك شبه مستحيل، والسبب يعود لمحاولاتهم المستمرة في اكتساب أي شيء مادي كان أو معنوي على حساب الآخرين. وهنالك الكثير الكثير ممن يؤمنون حقيقًة أن الأنانية طبع يأتي مع أي شخص، جزء من الطبيعة البشرية لا يمكن إنكاره. وهنا التعميم شيء إجباري، فأنا لا يمكنني التحدث عن الأشخاص العاديين وأنسى العلماء أو غيرهم، بل إن من أكثر الأشخاص الذين ارتبطت الأنانية باسمهم هو العالم
ريتشارد دوكينز، عالم الأحياء التطوري الذي خرج بنظرية "الجين الأناني".
اعتمد دوكينز في نظريته هذه على علم النفس التطوري؛ والذي يُعنى بدراسة السمة النفسية من جانب تطوري. تتحدث النظرية عن أطباع الناس ما قبل التاريخ، حين كان على الفرد التعامل بشراسة وقوة حتى يتمكن من العيش والحصول على مستلزماته المهمة. وذلك يعني أن كان عليهم التصرف بأنانية كي يعيشوا، وكلما زادت أنانيتهم زادت فرصهم بالنجاة والبقاء وتوريث جيناتهم. من هنا يعتقد العلماء أن هذا هو سبب طبيعة البشر الأنانية. حيث أن عيشنا لآلاف من السنين واحتياجنا لهذه الصفة وتطورها حتى وصلت إلينا هو أمر منطقي إلى حدٍ ما. هل ترى ذلك منطقيًا كذلك؟
كان هناك وجهة نظر أخرى تم اعتبارها الأقوى من نواحي عديدة. إذ أن العديد من الأدلة أقنعت العلماء أن البشر قديمًا والذين كانوا أغلبهم من الصيادين، قد عاشوا في سلام وتناغم، ويستبعد أنهم كانوا تنافسيين إلى تلك الدرجة من الوحشية. حيث أن الدراسات تقول أن الكثافة السكانية في ذاك الوقت كانت قليلة، وأن الطعام كان متوفرًا، وكان الأفراد يتمتعون بصحة جيدة، لذلك يبدو احتمال أنهم كانوا يعيشون بوحشية غير وارد كثيرًا. وهذا بالطبع لا ينفي أي عراك أو معارك أو حروب، لا وجود للسلام المطلق، لكن لم يكونوا وحشيين طوال الوقت كما يزعم البعض. هل تجد أنت هذا الكلام مقنعًا أكثر من الذي كان قبله؟
يبدو من ما سبق أن الأنانية ليست صفة تطورية، إذًا بالتأكيد هنالك سبب آخر عليه تفسير أنانية البشر.
باعتبار أن الفترات الأولى من الحياة على الأرض كانت للصيادين، فإن الفترة التي تلتها كانت للمزارعين، أي حين بدأ الناس بامتلاك الأراضي بغرض زراعتها، وكذلك بامتلاك الحيوانات لنفس الأغراض، وأمور مشابهة أخرى. ومن هنا بدأ ظهور اختلاف الطبقات الاجتماعية - بشكل بسيط، وبدأ الأمر يبدو وكأن الموارد المتاحة لا تكفي الجميع. هنا ستبدأ الأنانية بالظهور بشكل طبيعي بلا أي جهد.
مع تقدم الزمن، حافظت البشرية على هذه الصفة إلى يومنا هذا. لكنها لم تبقى على مستوىً واحد، بل يبدو أنها كانت تتزايد بوضوح. ما زلنا نتنافس على الموارد من أموال وحاجات أخرى. وحتى نضمن أن نكون من الفريق الفائز في سباق المنافسة هذا، كان علينا أن نكون أكثر أنانية يومًا بعد يوم. هذا إضافةً إلى الأنماط الاجتماعية والصور المختلقة حول أفضلية من هم يملكون ممتلكات أكثر. لذا يبدو ليس من الغريب كثيرًا كيف يتعامل البشر اليوم بأنانية واضحة لا يحاولون حتى في معظم الأحيان إخفاءها.
لكنني ما زلت أرى أن الأنانية صفة مكتسبة، وليست طبيعة بشرية كما يقول الغالب. هذا حيث أن بدراستك للبشر في فترة ما قبل التاريخ ستجد أن سلامهم في المعيشة كان نابع من تعاونهم آنذاك وإيثارهم. إن الأنانية ظهرت حين تم وضع هؤلاء الأفراد في بيئة تتطلب الأنانية. وكذلك الأمر إن وضعتهم في بيئة مريحة وتعاونية، ستجد منهم الخير والإيثار.
هل الإنسان أناني بطبعه؟