لا يوجد تعارض بين قوله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) سورة طه (124)، وبين ما نشاهده برفاهية المشركين والضآلين في حياتهم اليومية، وذلك لأن كلام الله تعالى حق وصدق وعدل كما قال تعالى: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا) سورة النساء/ 87.
- والمقصود بالمعيشة الضنكا ليس كما يظن البعض وهي الفقر والحاجة والجوع والمرض وغيرها، إنما المقصود بها : هو عدم الراحة وانشراح الصدر وعدم الطمأنينة، والفراغ الروحي، وإن بدا لنا غير ذلك من أمور الرفاهية المتعددة سواء باللباس أو الطعام أو الشراب أو المسكن أو السفر أو التنعم الظاهري بشكل عام - بل قد يعيش في ضنك الشك والتردد والحيرة وعدم الهدى والقلق المستمر وعدم راحة البال.
- بل ذهب بعضُ المفسِّرين إلى القول بأن المعيشة الضَّنْك هي : عذاب القبر؛ كما رُويَ ذلك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ؛ فقال: " يُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ " من " تفسير الطبري " (16/196)
- وقال بعض المفسِّرين من أنَّ " المعيشة الضنك عامَّة في دار الدنيا، بما يصيب المُعْرِض عن ذِكْرِ رَبِّه من الهموم والغموم والآلام، التي هي عذاب مُعَجَّل، وفي دار البرزخ وفي الدار الآخرة ؛ لإطلاق المعيشة الضَّنْك وعدم تقييدها "
- وبالتالي نجد اليوم أن أكثر نسبة المنتحرين هم من أكثر الدول رخاء ورفاهية وأعلى دخلاً من حيث الأمور المادية!!
- ولقد زار صديقاً لي منطقة غربية وبالتحديد (أستراليا) وشهد بنفسه إلقاء شاب بنفسه من قمة جبل عالٍ بسبب أن حبيبته خانته على الرغم من أنه كان يتنعم بملذات الدنيا!!!
لذلك نقول بأنه لو وجدت عند الكفار جميع أسباب النعيم والترف والسعادة والأمن والطمأنينة. تراه دائما في شقاء نفسي وقلق واضطراب ويظهر ذلك أثره عندما يتجه ذلك الشخص إلى الجريمة أو الانتحار أو المصحات النفسية والعقلية. فهذه نتيجة الضنك والشقاوة التي يعيش فيها هؤلاء الكفار!
فلو كان يعيش في أمن وطمأنينة كما يزعمون فلماذا كانت كل هذه الجرائم والأمراض النفسية والاكتئاب ثم الانتحار.
- ومن حكمة الله تعالى في خلقه للخلق أن يعدل بينهم في الدنيا حتى ولو كان بعضهم غير مسلم!! فهو تعالى الرحمن الرحيم قال الله تعالى: (الرحمن الرحيم) سورة الفاتحة 3.
فهذان اسمان من أسماء الله تعالى وصفتين من صفاته.
- وهما ليسوا بمعنى واحد فكل اسم معنى، لأنه لا يوجد تكرار في القرآن الكريم.
- فمعنى الرحمن : فرحمته شاملة للجميع - أي أن الله تعالى يرحم جميع خلقه في الدنيا المسلم والكافر - فيرزقهم المال والذرية والصحة والسمعة والجاه والمنصب وغيرها من نعم الدنيا الكثيرة.
- أما الرحيم : فرحمته خاصة للمؤمنين يوم القيامة فقط - فيرحمهم ويدخلهم الجنة، أما الكفار فيكون مصيرهم النار وليس لهم من رحمة الله تعالى نصيب.
- ولقد دخل الصحابي الجليل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين يوماً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجده جالساً على حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدمٍ حشوها ليف، وإن عند رجليه قرظاً مصبوباً، وعند رأسه أُهُب معلّقة؛ فرأى أثر الحصير في جنبه، فبكى؛ فقال: (ما يبكيك؟) فقال له: "يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله" فقال عليه الصلاة والسلام: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟) متفق عليه.
وأخيراً نقول: لماذا بعض الأشخاص من بلاد الكفر يعتنقون الدين الإسلامي فهناك العديد من الذين اعتنقوا الدين الإسلامي اعترف وأقر بأنَّه كان يعيش في بؤس وشقاء وقلق وحيرة. -وأما الآن بات يشعر ببهجة وطمأنينة وراحة وحياة هادئة لا يستطيع وصفَها.