كيف يكون عمى القلوب الذي ذكره الله تعالى في كتابه الكريم وكيف نحتاط منه

1 إجابات
profile/دمحمد-الطويل-1
د.محمد الطويل
دكتوراة في الفقه وأصوله (٢٠١٠-٢٠١٣)
.
٢٩ نوفمبر ٢٠٢٠
قبل ٤ سنوات
قال تعالى  في سورة الحج : ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) .

جاءت هذه الآية بعد ذكره سبحانه بإشارة سريعة مصير الأمم السابقة المكذبة للرسل المصرة على كفرها وعنادها بعد أن ذكر سبحانه نصره للمؤمنين وتمكينه لهم وإظهارهم على عدوهم .
ثم ذيل السياق بهذه الآية التي هي دعوة لكفار قريش ابتداء للاعتبار بمصير من سلفهم ، وبيان أن العاقل هو من اتعظ بغيره وأعمل فكره واستفاد من تجارب السابقين ، فهذا هو حقيقة النظر نظر القلب وفهمه ، وليس نظر العين ، فنظر العين يشترك فيه الإنسان والدواب ، بينما نظر القلب هو الذي ينفرد ويختص به الإنسان فمن عطله فقد ميزته على الدواب !

فعمى القلوب يكون بتعطل القلب عن نظره ، ونظر القلب - والذي يقصد به هنا آلة التدبر والتفكر وليس العضلة والبضعة المخلوقة من شحم ودم -  يكون بتدبره وتفكره في آيات الله الكونية - ومنها قصص  السابقين و الغابرين -  ليستنبط منها العبر والعظات والدروس التي تفيده فيعلم الصواب من الخطأ فيعمل به ، والحق من الباطل فيتبعه وينصره ويكون في حزبه .

وهذا التدبر لا يشترط فيه نظر العين الباصرة بل يكفي وصول العلم بالسمع فيه ، فكم من أعمى العين كان بصير الفؤاد جيد القريحة حاد الذهن ، نور الله بصيرته فميز الحق من الباطل والصواب من الخطأ ، وفي المقابل ، قد يكون الإنسان بصير العين ولكنه مطموس على بصيرته فلا تنفعه المواعظ والآيات الزاجرة فهو في غيه ولهوه تصيبه القوارع والابتلاءت المنبهة له ولكنه لا يستجيب ولا ينتبه .

فهذا هو عمى القلب الذي باختصار يعني تعطل آلة الفهم والتدبر  التي عند الإنسان فلا يصله علم نافع ولا يتحرك قلبه للمواعظ والزواجر فهو موت للقلب وإن كان الجسد حيا !

 جاء في تفسير الطبري : 
(قال قتادة : البصر الناظر جعل بلغة ومنفعة ، والبصر النافع في القلب . وقال مجاهد : لكل عين أربع أعين ؛ يعني لكل إنسان أربع أعين : عينان في رأسه لدنياه ، وعينان في قلبه لآخرته ؛ فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه فلم يضره عماه شيئا ، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه فلم ينفعه نظره شيئا ) 

أما كيفية النجاة منه فتكون بأمور منها :
1. سؤال الله الهداية والتضرع إليه والافتقار بين يديه والاستعاذة من طريق المغضوب عليهم والضالين ، لذا كان أعظم القران سورة الفاتحة وأعظم دعائها ( اهدنا الصراط المستقيم ).
2.تجنب المعاصي والاستغفار منها عند وقوعها ، لأنه كما جاء في الحديث إذا عصى العبد نكت في قلبه نكتة سوداء وهكذا حتى يصبح القلب أسودا شديد الاسوداد فيطبع عليه فلا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا وهذا هو الران ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ).
3. اتباع سنة النبي عليه الصلاة والسلام والسلف الصالح ولزم نهجهم والسير على طريقهم ففي هذا أمان من الغواية والضلال ، ( تركتم فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي عضوا عليها بالنواجذ ) .
4.طلب العلم النافع والعمل به ، فعالم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد .

والله أعلم